كتاب " الشعر وأفق الكتابة " ، تأليف صلاح بوسريف ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ
أنت هنا
قراءة كتاب الشعر وأفق الكتابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الوعي الكتابـي، هو غير الوعي الشفاهي، وهذا ما جعلنا نقترح، في كتابَيْنا "حداثة الكتابة في الشعر العربـي المعاصر"، و"الكتابـي والشفاهي في الشعر العربـي المعاصر"، مفهوميْ "حداثة القصيدة" لِنُشِيرَ به إلى ما سُمِّيَ، في حينه بـ"الشعر الحر"، و"حداثة الكتابة" لِنَدُلَّ بها على ما يتجاوز هذا المفهوم، وما يتجاوز الممارسة الشعرية الـمُصَاحِبَة له، بما فيها "قصيدة النثر"، التي نرى أنَّ الأشكال التي أصبحت تُكْتَبُ بها اليوم، هي أكبر من هذا المفهوم، وهو ما لم تَسْتَشْعِره حتى سوزان برنار نفسها، في مقاربتها لنماذج، هي في ممارستها النَّصِّيَة، توسيع لأرضِ اللُّغَة نفسها، بإعادتها إلى أصلها الشِّعريِّ الذي لم تكن فيه المسافة بين لُغَةٍ لـ"النثر" ولُغَةٍ لـ"الشعر" قد حَدثَت بعد. هذا ما تؤكده اليوم النصوص الإبداعية الـمُؤَسِّسَة، أعني النصوص الأولى، في كل الثقافات الإنسانية، وهي اليوم مُتَاحَة، وأصبحت رَهْن يَدِ القاريء.
الكتابةُ، بالمعنى الدِينامِيِّ المفتوح، وبوعي النَّصِّ كممارسة كتابية، تَتِمُّ على الصفحة، في إبَّانِها، أي في لحظة الكتابة، وبما تَتَّخذه من تنويعات، في التوزيع الخطيِّ، وفي أشكال الحروف وأحجامها، في مظهرها الخَطِّيِّ، وانتقال النص من الوزن إلى الإيقاع، ليس كدالٍّ أكبر، بل كدالٍّ أوْسَع، وبتوسيع أفق اللغة، دون حَصْرها في لُغَةٍ للشعر، أو بالأحرى لـ"النَّظْم"، وأخرى للنثر، كما عَمِلَت الشعرية القديمة على تكريس الفرق بينهُما، أو اختلاق لُغَتَين، الفاصلُ بينهما كان دائماً، نوع من الوَهْم، الذي كان أبونواس، وأبو العتاهية، بشكل خاص، خَرَقاهُ، ما جعل النَّقْدَ يُوَاجِهُهُما؛ الأول، بما أدخله من تعابير "المتكلمين" و"الفلاسفة"، في شعره، والثاني، بِجَرِّه الشعر إلى الكلام العام، أو البسيط، أي إلى ما كان يُعْتَبَرُ من قبيل "النثر".
وأيضاً، بنقل النص من الغنائية التي كان الصوت الواحد فيها هو الحاضر، إلى النص المرَكَّب، ذي الأصوات، والضمائر الكثيرة المتداخلة، أي بإضفاء البناء المسرحي- الدراميِّ على النص، من خلال الحوار، وأيضاً السرد، وأشكال الاسترجاع المختلفة التي إمَّا أن تكون عودةً إلى الماضي، من خلال الحوار مع مرجعياتٍ قديمة، من التاريخ أو التصوف أو الشعر نفسه، أو بالعودة إلى الذاكرة نفسها، كاستعادةٍ لمشاهد، أو لحظاتٍ، لها علاقة بسياق النص، أو بفكرته...