كتاب " الشعر وأفق الكتابة " ، تأليف صلاح بوسريف ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ
أنت هنا
قراءة كتاب الشعر وأفق الكتابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كل هذا وغيره، أصبح من المقترحات التي خرج بها الشِّعر عن "القصيدة"، ونَقَلَ بنية النص الشِّعريِّ، من البساطة إلى التركيب، ومن الدّال الواحد الـمُهَيْمِن، إلى تَعَدُّد الدَّوَالِّ وتشابُكها.
هل، في مثل هذا الوضع، تستطيع "القصيدة" كمفهوم، وكـ"بناء"، أن تُمَثِّلَ هذا البناء المتشابكَ الـمُرَكَّبَ، وأن تكون انعكاساً للوعي الكتابـي الذي تمثله الشعرية المعاصرة، من خلال تراكُب الدَّوالِّ، ومن خلال، ما سمَّاه ميشونيك بـ"القيمة الشِّعرية"، باعتبارها هي المحك الذي يمكن أن يضع النص في سياق الشِّعر، بمعناه الكثير والمتعدِّد، أي بما هو اقتراح مفتوح على كل الاحتمالات، وأشكال البناء، لا باعتباره شكلاً حاسِماً مُنْتَهياً، لا يقبل الزيادة ولا النُّقصان؟
هذه من المآزق التي سقط فيها النقد النمطي، الذي ظلَّ وفياً لتجربة "الشعر الحر"، التي وجد فيها، رغم ما تعرضت له من نقد، في بداياتها، البديل الأفضل، قياساً، بما أصبح يَفِدُ عليه من مقترحاتٍ، نَأَت بالشعر عن "القصيدة"، أو تركت الوزن وراءها، وذهبت إلى الإيقاع، الذي ما زال هذا النقد، أو هؤلاء النقاد، يَتَلكَّأون في استيعابه نَصِّياً، لأنهم لم يُرَوِّضُوا آذانَهُم، أو ما يُسَمُّونَه بـ"الذائقة الشعرية"، على هذه الأصوات الجديدة، التي هي انعكاس لأصوات الواقع النثرية، أو ذات النَّفَس الـمُتَشابِك الذي لم يعد يسير بنفس وتيرة تفاعيل الخليل، ولا بنفس وتيرة تفاعيل نازك الملائكة، والشُّعَراء الذين لم يستطيعوا ابْتِدَاعَ إيقاعاتِهم الخاصة بهم.
هذا ما كان حُجَّةَ حجازي، الذي ما زال يستشير مُعْجَمَيْ "لاروس" و"لوروبير"، لإعطاء معنًى لمفهوم الإيقاع، وكأنَّ ما تُقَرِّرُه المعاجم، يصير أكبر من النص، إذا حاولنا أن نستعيد، ما قاله أبو العتاهية بشأن العروض.
جَرَتْ مياه كثيرة تحت الجسر، وحجازي، ومَنْ يسير على "إيقاعه"، لا يَرَوْنَ صيرورةَ الماء، أو يكتفون بالنظر في الماء دون إدراك تَمَوُّجاتِه.