كتاب " الشعر وأفق الكتابة " ، تأليف صلاح بوسريف ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ
أنت هنا
قراءة كتاب الشعر وأفق الكتابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مَنْفَى الكِتَابَة
(1)
ثمَّةَ أُمور كثيرة، ما تزالُ تُلِحُّ علينا اليوم، وتَفْرِضُ نفسَها بكثير من الإلحاح. فما نَبْذُلُهُ من جُهْدٍ، في البَحْثِ والتَّأَمُّلِ، قد لا يكونُ كافياً لِقَلْبِ ما يجري، أو لِتَغْيِير المشهد، بما أصبح يَطْبَعُهُ، اليومَ، من استعادَةٍ وتَكْرَار. فالمعرفة الإنسانيةُ، منذ شَرَعَ الإنسانُ في تَمَثُّلِ مُجْرَيَاتِها، وفي خَوْضِها، كافْتِرَاضَاتٍ، أو كمُسَاءَلاتٍ، لم تفتأ تُعِيدُ النَّظَر في مُجْرَيَاتِ الأمُور، أو هي، بالأحرى، حملت، على عاتِقِها، شُؤونَ هذا الوُجودِ، وشُجُونَهُ، وعَمِلَتْ على خَوْضِهِ كاسْتِفْسَارٍ دائِمٍ، وكنَهْرٍ، على مائِه أن يَظَلَّ مُتَدَفِّقاً، دَائِمَ الخَفَقَانِ، لا هُدْنَةَ ولا اسْتِقْرِار، فما يَسْتَقِرُّ يموتُ ويَمَّحِي، أو يُصبِح وُجُوداً فَاقِداً لمعنى الوُجُود ولِصَيْرورَتِهِ.
هذا القَلَقُ الأبَدِيُّ، هو ما تَتَّسِمُ به المعرفة، وهو ما خَلُصَ إليه الإغريقُ، هؤلاء الذين حفروا تلك الأخادِيدَ العميقَة، التي ما تزالُ، إلى اليوم، تَسْتَدْرِجُنا إلى ظُلَمِها، وتفرضُ علينا النَّظَرَ في هذا الذي نَخُوضُه اليومَ، في كُلِّ مجالات المعرفة والإبداع.
(2)
لم يَعُد النَّظر في مجرى النَّهر، أو في صيرورته، يكفي للاطمئنان على مَا يَحْدُث مِن تَغَيُّراتٍ، فالأمرُ، باتَ يَسْتَدْعِي تغْيِيرَ المجرى، وتحويلَ الصيرورة. أعني؛ أنَّ ما أصبح يُلِحُّ علينا من قضايا، فَرَضَتْها مُقْتَضَيَاتُ العصر الذي نحن فيه اليومَ، خرج من سياق النَّظر التقليدي، إلى سياق، أو أُفُقِ نَظَرٍ، كُلُّ شيءٍ فيه، يَنْحَلُّ ويَتَفَتَّتُ، ويُغَيِّرُ مكانَهُ باستمرار. اللاَّاسْتقرار، واللاَّطُمَأْنِينَةَ، باتا من ثوابت زمننا، وهو ما يستدعي تَرْك الـمُسَلَّماتِ، والعمل على خَوْضِ الأمُور، وكَأنَّها تَحْدُثُ لأوَّل مَرَّةٍ، أو هي نوع من "البداية"، بتعبير نيتشه، التي ما تفتأ تَبْدَأُ، وتَحْدُثُ، أي، ما يَجْعَلُها تَسْتَعْصِي على أن تصيرَ أصْلاً.
- أليسَ الأصلُ استقراراً وهُدْنَةً... مُجرَّد سؤال.