كتاب " ثلاث عشرة ليلة وليلة " ، تأليف سعد سعيد ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثلاث عشرة ليلة وليلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ثلاث عشرة ليلة وليلة
في ذلك اليوم، بقيت أتبعها كظلها حتى دخلت القاعة الدراسية التي تقصدها.. كانت في قسم الإحصاء، فهرعت إلى صديقي الجديد، فارس، الذي كنت قد تعرفت عليه قبل أيام في القسم الداخلي، طالب بغدادي كان في زيارة صديق مشترك، عرفت منه أنه في قسم الاحصاء، فأخبرته بما حدث لي في ذلك اليوم.. من دون ذكر لمسألة إختراق النظر تلك، طبعا.. أبدى استعداده فورا للمساعدة، فبدأنا التجوال في بناية الكلية حتى رأيتها، مع دقات قلبـي التي تزايدت، اشرت إليها، عندها، تغيرت معالم وجهه الذي ظهر الغضب عليه جليا وصاح:
- إلا هذه.
فاجأني التغير الذي بدا عليه، فإرتبكت وأنا أنظر في وجهه ببلاهة.. لاحظ هو ذلك، فقال بعد وقت قصير بنبرات صوت أهدأ:
- لا سبيل لك إليها.. مستحيل.. هذه مستحيلة.
فحاولت أن أسأله عن اسمها، ولكنه أبى أن يجيبني.. في حينها، لم أعرف كيف يمكن أنْ أتصرف، فابتعدت عنه من دون استفسار آخر.. ظننت أني قد اقترفت خطأ كبيرا.. فقد يكون قريباً لها، أو من يدري، لعله يحبها.. أو هو حبيبها بالفعل.. أو، أو.. لكن المهم في موقفه أنه نبهني إلى الورطة التي كنت أريد أن اقحم نفسي بها إذ لا يعقل أن تتجاوز مثل هذه الحورية كل شباب بغداد الحلوين وآتي أنا.. (المحافظات).. (لأخمطها) من بينهم.. ومع ذلك فقد عرفت فيما بعد أن الباعث على موقف فارس ذاك، لم يكن غير الغيرة والحسد.
في حينها، لم أعرف من أين هي، ومن السخرية أني لم أعرف ذلك إلا بعد ثلاثين عاماً، ولكني كنت في حينها أؤمن بأنها من بغداد.. كانت بغدادية، وأنا على يقين من ذلك.. لقد عرفتها من هيأتها.. من أناقتها.. من طريقتها في انتقاء ملابسها، رغم أني لم أرها يوما مرتدية غير الأبيض والرصاصي، ويضاف إليهما الأزرق في أيام الشتاء.. ولكن مظهرها كان ينبيء عن منبتها، وأقسم أنها من بغداد.. هكذا، لمجرد أني رأيتها في ذلك اليوم، أيقنت من ذلك.. ولم أسألها يوما عن الأمر، لكي لا تخيب ظني.. في تلك الأيام، لم أكن محروما من نعمة النساء، بل كنت في الحقيقة قبلة لأنظار الكثير من الطالبات، سواء في قسمي أو في الأقسام الأخرى، بل حتى في الجامعة كلها، لم يكن ينقصني إهتمام الفتيات بـي وبشكلي، ولكني لم أكن لأستجيب بسهولة.. كنت أريد، ولكني لا استطيع.. بل أني رفضت يوما مرافقة سهاد، زميلتي، إلى شارع النهر، بعدما دعتني إلى ذلك، بحجة إستبدال حذاء كانت قد اشترته من هناك، ولكني أعرف أنها كانت ترمي إلى أكثر من ذلك، فرفضت.. أتعرف لِمَ رفضتُ؟.. لأني كنت مشغول البال، وبـي لهفة لإنتهاء الدوام، لأسارع إلى المقهى حيث مباراة الدومينو التي اتفقنا عليها أنا وصحبـي.. لا، لا أريد أن أصور لك نفسي وكأنني لم أكن أهتم بالنساء، بل أنا اهتم، وأهتم بشدة، ولكني تعودت في حينها على نساء المواخير، فالتعامل معهن كان أسهل.. خدمة مقابل مبلغ من المال، وكل يذهب في حال سبيله.. أشعر بالغثيان الآن، عندما أفكر بتلك الفرش القذرة الممدودة في غرف بائسة وخاوية.. بل أشعر بالاشمئزاز من نفسي في كل مرة أنتهي فيها من اقتراف ذلك الفعل الشائن.. ولكني كنت أعود دائما لافتقادي للمتنفس لكبتي.. العاهرات كنّ سلوتي.. نعم، كانت هناك فتيات مستعدات، ولكنهن لسن بغداديات.. وأنا مشغول البال ببنات بغداد، فهن من يخلبن لبـي ويسرقن قلبـي، ولم يكن ذنب (سهاد) غير أنها (محافظات) مثلي.. أنا أدرك الآن فداحة الخطأ في طريقة تفكيري حينذاك، ولكنها الحقيقة.. المهم، عندما رأيتها، أدركت فورا، أنها غاية المنى.. فسحرتني ولم أعد أستطيع أن أبعدها عن تفكيري، أو عن ناظري، عندما تكون حاضرة.
طوال أسبوعين وأكثر، غبت عن الدوام رغم حضوري جسديا في الجامعة.. غبت عن الدوام، بل غبت عن الدنيا، ورحت أداوم في حلم اللقاء بها.. كنت لا أكلّ عن تتبع خطواتها، ومحاولة أن أفتعل الفرص لكي أظهر أمامها، عسى أن تنتبه إلي، ولكن هيهات، فأنا لم أكن موجودا بالنسبة لها، مشطوبا عليّ، ووجهي ظلَّ عاجزا عن اقتناص نظراتها، الممتدة عبره.. لاحظت في أثناء تلك المدة أنها لم تكن تظهر إلا مع فتيات ولم أرها ولو لمرة واحدة تسير مع زميل لها، وكان هذا همٌّ آخر يثقل عليَّ.. إن لم تعر شباب بغداد إنتباها، فما فرصتي معها، لذلك جزعت في الأسبوع الثالث، خاصة مع مزاح أصحابـي الثقيل الذي بدأ يثقل عليَّ، ويزعجني.. فقد جعلوني مادة لسخريتهم بعدما عرفوا بغيتي وتعرفوا على نيتي.. لم يصدقوا أن جلفا مثلي يشاركهم تفاهاتهم وضياعاتهم، يمكن أن يكسب ود ملاك بغدادي مثلها.. بدأت نداءات (ها محافظات) التي يبادرونني بها كلما التقينا، تثير أعصابـي، ولكي أتخلص من كل ذلك، قررت أن أتوقف عن جنوني.. جزعت، فتنازلت عن حلمي الذي بدا مستحيلا.. فانقطعت عن الجامعة لثلاثة أيام قضيتها في بلدتي، مع أهلي، ثم عدت لأكون نفسي من جديد.. ولكن، آه من القدر، كيف يتدخل دوما، ليجهض خططنا، أو يؤثر على قراراتنا.