كتاب " ثلاث عشرة ليلة وليلة " ، تأليف سعد سعيد ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثلاث عشرة ليلة وليلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ثلاث عشرة ليلة وليلة
عندها كانت الفكرة قد اختمرت في بالي، فنهضت على الفور وأنا مصمم على اصطحابه إلى هناك مجبراً.. ولكني ما أن استقمت، حتى مادت بـي الأرض، فاستندت إلى الطاولة أمامي وأنا أتساءل إن كان بإمكاني أن أقوم بذلك الفعل وأنا على هذه الحال.. نسيت رجولتي المفجوعة، وخشيت المزيد من خيبات الأمل في هذا اليوم البائس.. أنا أتذكر يا سيدي أني دفعت الحساب، وسرت وأنا أتمايل حتى باب البار.. ولكن ما حدث بعدها، أنا لا أذكر، رغم أن معناً كان قد ذكر لي في اليوم التالي الذي استيقظت به وأنا أعاني من ألم في الرأس وشعور ممض بالغثيان، بعض ما حدث بعد ذلك.. فقررت فورا أن أتوقف عن جنوني هذا.
زفر يوسف، فبدأ الغضب الذي انتابه، يتسرب من أنحاء نفسه أخيرا... ولكن الحزن المقيم، أبى أن يبارح أعماقه.. تطلع إلى منازل الزقاق الممتدة أمامه، فبدت له وكأنها تندب أيامها الحلوة التي مضت.. على قدر ما يسمح به ضوء المولدات الخافت، للنظر، لاحظ الحفر المبثوثة في الشوارع وهي تتنافس مع برك المياه الآسنة، لرسم صورة بائسة في ما بدا له، وكأنها مؤامرة عليه لبث المزيد من الحزن المؤلم في نفسه.. أبعد نظره عن الحفر والبرك ليصدم بمنظر تلك الحدائق المفجوعة بفراق جمالها الغابر... تنهد وقال مع نفسه:
- لا بأس، لم يزل عندي وقت، قبل أن يحين موعد منع التجوال.. لأسير في هذا الشارع حتى نهايته، عسى أن أهدأ قليلا، وأقرر.
بدأ يسير الهوينا كما تعود أن يفعل في الماضي، حين يعجب بشارع من شوارع بغداد، رغم مضي تلك السنوات كلها، وتغيّر الأحوال.. مال إلى جانب ليكون قريبا من أغصان الأشجار المطلة على الشارع، ولكنه لم يستطع أن يشعر بجمالها كما كان يفعل.
حين بلغ منتصف المسافة التي تباعد ما بين طرفي الشارع تقريبا، لاحظ وجود صبيين يلعبان رغم أن الظلمة كانت قد فرضت نفسها على المدينة منذ أكثر من ساعة، انتبه إليهما من بعد.. كان الأول بدينا ويكاد حجمه يبلغ ضعف حجم رفيقه الذي بدا له ضعيف البنية.. سمع البدين يقول:
- هيّا نلعب الكرة.
بدا صوته آمرا، فقال الآخر بصوت مهادن:
- هيّا.
ولكن البدين لم يخط أكثر من خطوة واحدة حتى قال بصوت بدا وكأنه يتعمد أن يكون متوعدا:
- ولكني سأكون أنا (ميسّي).
رد ضئيل الحجم:
- ولكنك في كل مرة تكون (ميسّي)، فلِمَ لا أكون أنا هذه المرة؟
فضحك البدين بصوت عالٍ، شعر به وكأنه يخرق حرمة الليل، وصاح:
- مَنْ.. أنت (ميسّي).. ولكن.. ولكنك لا يمكن أن تكون (ميسّي).
- ولِمَ لا يمكن أن أكون؟
فقال البدين وقد بان النـزق وقلة الصبر في نبرات صوته:
- لأنك.. هكذا، لأنك لا يمكن أن تكون.
ثم سكت قليلا قبل أن يضيف:
- حسنا.. لأنك أضعف من أن تكون (ميسّي).
فقال الـ(أضعف) بتردد واضح:
- وهل (ميسّي) سمين، لتكون أنت هو؟
فاحتدّ صوت الـ(سمين) كثيرا، وهو يقول:
- من السمين أيها الغبـي؟
لكن الصبـي الآخر لم يجب، فقال البدين متابعا:
- هيّا، كفاك مشاغبة.. هيّا لنلعب.
فقال الآخر، بعد قليل من الصمت:
- ولكن، من أكون أنا.
فرد عليه البدين:
- أنت هو أنت، فلِمَ يجب أن تكون أحدا؟
فقال ذاك وقد بدت نبرة جديدة في صوته:
- لِمَ يجب أن أكون أنا هو أنا، وأنت (ميسّي).. لأكن أنا (رونالدو) إذاً.
فأغرق البدين في الضحك، قبل أن يقول:
- أنت.. أنت (رونالدو).. (رونالدو) يمتلك نقودا كثيرة، وأنت لا تمتلك شيئا، فكيف تكون (رونالدو).