كتاب " ثلاث عشرة ليلة وليلة " ، تأليف سعد سعيد ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ثلاث عشرة ليلة وليلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ثلاث عشرة ليلة وليلة
لم يرد الآخر، ولم يستطع هو أن يرى تعابير وجهه في تلك اللحظات رغم إقترابه منهما.. شعر بتعاطف مع (رونالدو) المرفوض، فبدأ يبطيء خطواته وهو يسمع (ميسّي) البدين يقول:
- والآن كفى هذرا، وهيّا نلعب.
فقال الآخر على الفور:
- لا.. لن ألعب.
فصاح البدين بغضب:
- ولِمَ لا تلعب يا بن الكلب.
فبان الغضب لأول مرة في نبرات صوت الصبـي الهزيل وهو يقول:
- لا داعي للسباب، فأنا لم أسبك.
فقال هذا بإصرار:
- و تجرؤ؟! سأسبك أيضا وأيضا يا بن الكلاب.
ثم اعقب قوله بهجوم مباغت جعل قلبه يثب خشية على المسكين الضئيل، الذي يبدو أنه كان متهيئا لمثل هذا الهجوم، فقد زاغ عن درب البدين.. لم يعرف هو إن الصبـي الصغير قد تهيأ مسبقا، ام أنه كان مجرد رد فعل، عندما دفع بيديه البدين بعد أن أصبح يواجه كتفه الأيسر.. تهاوى البدين ككتلة لحم على الأرض، فأسرع هو ليفك الاشتباك الذي توقع أنه لا بد حاصل بعد أن ينهض البدين الهائج، من سقطته.. كان شعوره بالخشية على ما قد يصيب هذا المتهور الضئيل هو الذي يحركه، ولكن السمين الناهض فاجأه ببكائه الذي سمعه وهو يهرع نحو البيت القريب.. كان بيتا قد أعيد بناؤه على وفق الطراز الذي بدا له غريبا عندما رأى بغداد بعد طول فراق، وكان يشي بثراء بانيه.. حينما دخل الصبـي الباكي من باب دارهم، تحرك الآخر بسرعة وهو يتلفت إلى الخلف، حتى دخل من الباب الحديدي للدار التي تبدو وكأن جدرانها المتداعية ستسقط في أية لحظة، والمجاورة للدار الأخرى.. بقي هو في مكانه للحظات مبهوتا، قبل أن ترتسم على شفتيه ابتسامة بعدما أذهله الحدث الذي دار أمامه للتو.. شعر بسعادة، لما فعله الصبـي الصغير، خارقا بذلك الحصار الذي ضربه الحزن على نفسه، طوال الوقت الذي مضى منذ أن فجع بما سمع، شعر وكأن سنوات قد مضت على ذلك الحدث.. قرر حينها أن يحثّ الخطى لكي يصل إلى البيت في الوقت المناسب، ولكنه لم يسر بضعة خطوات حتى سمع لغطا خلفه، التفت، فرأى رجلا ضخم الجثة يقود الصبـي البدين وهو يعربد بكلام بدا له غاضبا، انتابه الفضول، فتوقف ليرى ما سيؤول إليه الأمر.. وصل الرجل إلى الباب الحديدي ودق عليه بقبضته المضمومة، ووقف ينتظر.. ظهر رجل من خلال الباب، سمعه يقول بأدب:
- أهلا يا أستاذ.. تفضل.
ولكن الآخر رد بغضب:
- أتفضل إلى أين؟.. اِسمع يا هذا، لقد ضقت ذرعا بكم.. أصبحت لا أطيق ازعاجاتكم، ومراوغاتكم في دفع الإيجار، ثم يتجرأ جروكم على إيذاء ولدنا الوديع.
فقال هذا على الفور:
- لا يا سيدي، أنا لا أقبل بذلك حتما.
ثم التفت ليصيح على ولده بغضب، ولكن الصبـي لم يظهر.. دخل الرجل، ليظهر بعد قليل وهو يقود الصبـي من أذنه حتى أوقفه أمام الضخم وولده حيث ضربه بكل قوته على مؤخرة رقبته، فأسقطه أرضا.. غلي الدم في عروقه وتصاعد بخاره إلى عقله وهو يرى المنظر.. عندما رفع الرجل يده ليضرب مرة أخرى بعد أن أنهض الصبـي، صاح من حيث يقف:
- إياك أن تضربه مرة أخرى.
ثم أعقب ذلك بالتقدم السريع باتجاههم.. تجمدت يد الرجل المرفوعة في الهواء وهو يلتفت متفاجئا باتجاه مصدر الصوت.. حالما اقترب منهم، لاحظ الشزر في عينيّ الضخم.. فيما بان الاستغراب وظهرت الحيرة على ملامح الآخر، الذي بادره قائلا:
- وما دخلك أنت؟.. ولدي وأريد أن أؤدبه.
فقال وهو يصارع للإحتفاظ بهدوئه الذي لم يستعدْه إلا للتو: