كتاب " إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين " ، تأليف صباح الأنباري ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين
2
تقرر ندرة الشيء قيمته - هذا ما يقوله لنا علم الاقتصاد السياسي. والبحث عمّا هو نادر تحرِّكه، غالباً، الرغبة في الحصول على ثروة. بيد أن هناك ندرة من نوع مغاير؛ النادر الذي لا يمكن امتلاكه وتسليعه، وبيعه في السوق.. النادر الذي يثوي بين الأشياء وفي الأشياء وليس من أحد بمقدوره اكتشافه غير الشاعر - ومنْ ينطوي على روح شاعر - والذي يحوِّله في مصنع الإبداع بمادة الكلمات وكيمياء المخيّلة إلى صور مدهشة.. ما يرمي إليه الشاعر هو صناعة الدهشة، لا الثروة المادية.. يلتقط الشاعر النادر؛ النادر الذي قد يكون شاخصاً أمامنا ولا نراه بحكم اعتياد نظرنا على رؤية الأشياء المألوفة.. ولنتأمل- مثالاً - كيف خلقت رؤية بدر شاكر السيّاب إلى ساقية نحيلة اسمها "بويب"، وإلى قرية صغيرة وفقيرة اسمها "جيكور" تلك الأعاجيب الشعرية المذهلة. كان السيّاب يعكس جمال دخيلته وفائض محبّته ونقاء حزنه على نهره وموطنه فيحيلهما إلى فراديس، وإلى أسطورة.
أديب كمال الدين لم يذهب إلى رؤية العالم خالي الوفاض. ذهب وفي كنانته قبضة من حروف. كانت الحروف مادة خيميائه وتميمته ونافذته ومفتاحه.
عرف أديب أن الحرف مفتاح باب الوجود، ومفتاح القلب.. مفتاح الجسد والعقل والروح.. الحرف مفتاح، والحرف عالم مغلق يحرِّض العاشق الرائي على فتحه.. الحروف مفاتيح بعضها لبعض، وعوالم تتداخل بعضها في بعض.. لكل حرف جسد، ولكل حرف روح. وفيهما ما فيهما من أغوار ومسالك وثراء وغموض جسد الإنسان وروحه. ولكأنّ الحرف صنو الإنسان ومرآته. ولكأنّ الإنسان يتكشف كما البحر في قطرة، وكما الكون في إنسان، في صورة حرف وروحه. وإذن كم من الأسرار والألغاز والأحجيات تختبئ في الحرف الواحد. ذلك أننا نتشكل وعياً ووجوداً بالحرف، بضوء الحرف وسحره.
الحرف دال، إنه الدال الأول، الدال البكر، الدال ما قبل الخليقة، الدال الذي يرهص للوجود، الدال الذي ينبئ بالمسار والنهايات، الدال الذي يفصح عن الكينونة وقوة حضور الإنسان في العالم. الدال الـمُعين في إدراك الذات والآخرين، الدال الذي إن انكشف عنه الحجاب غمر العالم بنور المعارف.
وإذ راح أديب كمال الدين يحاكي رؤى وتجارب أعظم متصوفة تاريخنا وهو يقيم أبراج قصائده على أسرار الحروف، استعار صباح الأنباري منه بلاغة المتصوفة ومسالك معارفهم وطرقاتهم في فيافي اللغة ليكتب نصه الذي يصل بنص أديب كمال الدين بوشائج سرّية وقويمة. ذلك النص المفعم بالطراوة والجمال، والضاجّ بالتأويلات.
قد نتفق مع تأويلات الأنباري أو نختلف معها، لكنها التأويلات الذكية التي تثير انتباهنا وتجعلنا نقف لوهلة.... ونفكِّر.