كتاب " إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين " ، تأليف صباح الأنباري ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إشكالية الغياب : في حروفية أديب كمال الدين
الباب الأوّل
الدخول إلى عالم أديب كمال الدين الشعريّ
الفصل الأوّل : سيرة ذات حروفيّة قراءة في سيرة أديب كمال الدين الإبداعيّة
"حياتي منذ الولادة وحتّى الآن تخرج من مفصل لتدخل في آخر. فلقد مررتُ بمفصل الحرب ثمّ مفصل الحصار ثمّ مفصل الغربة، وبين ذلك كله يبزغ مفصل السؤال عميقاً وكبيراً: حول الحياة ومغزاها والإنسان ودوره في هذا الكوكب العجيب"[1]
أديب كمال الدين
مقدمة
منذ أعماله الشعريّة الأولى التي صدرت بعد مجموعتيه (تفاصيل) و(ديوان عربيّ) اشتغل أديب كمال الدين على ترسيخ تجربته الحروفيّة بدأبٍ وصبرٍ وإصرار. حرث أرضه الجديدة وبذرها بالنقاط والحروف فأثمرتْ له أسلوباً حروفيّاً، وطريقة صار يُعرف بها، ويُستدّل على قصائده بوساطتها. تناول النقّاد اشتغالاته الحروفيّة بعدد كبير من المقالات والدراسات والبحوث، على مدى أربعين عاماً، مساهمين في إنضاج تجربته بعد أن أعطى لها عصارة روحه، وخلاصة تجربته، وما اختزنه من معارف، وثقافات، وإرهاصات إنسانية.
كلّ مجموعة من مجاميعه الشعريّة منحت التجربة بعداً مختلفا ونكهة أديبية مميزة حتّى استكملت التجربة عناصرها البنائيّة والأدائيّة. ومع أن الشاعر أديب كمال الدين لا ينفرد باشتغاله على الحروف وتوابعها إلا أنه تفرّد بتأسيس أسلوب مغاير لمجايليه وسابقيه. أسلوب يخضع الحرف فيه إلى عمليات انصهار، وتفاعل، وتمازج، وتداخل، وتشكّل، وتكامل، وتسامٍ حتّى يتحول إلى كائن شعري حيّ وحيويّ مؤسساً بنية أساسيّة لمبنى القصيدة ومعمارها. بنية تفضي إلى فضاءات حبلى بحياة سحريّة، وشطحات صوفيّة، وخيالات مجنّحة يتماهى فيها الواقع والوهم، الحياة والموت، الصبر والعجالة، الآني والسرمدي، حتّى يخيّل لقارئ شعر أديب كمال الدين أنه أمام عوالم حدسية لا يمكن الظفر بها مع أنها تعمل على غوايته من داخل الحرف والكلمة والنصّ. وكلّما همّ باصطيادها انفلتت منه بزئبقية مدهشة، وبلذّة كفيلة بسحبه إليها، وهيامه بها، ومطاردته لها حتّى آخر نقطة من نقاط القصيدة. ولعلّ هذا هو حال حروفه الأنثويّة الصائتة وهن يطلقن بإيقاع رتيب نوحهن الذي يختزن مرارةَ الفواجع، وألم السنين وخساراتها، ووجعهن الثَّكول وهن يندبن أعزّاء رحلوا دون وداع وغيّبوا دون استئذان، ويرقصن بحداد طقوسي، ويرددن بألـمٍ دفين لم يعدن قادرات على دفنه. يضربن الخدود، ويمزّقن الصدور، ويَدُرْنَ في حلقتهن الراقصة قفزاً كما يقفز المعذّبون بالفلقة داخل أقبية التعذيب. وهكذا الحال أيضاً مع حروفه الذكرية الدرامية في قسوتها، والقاسية في وقعها، والمعقّدة في تضادها وتناقضها كأنّي بها تريد الجمع بين الشيء ونقيضه، بين الحلم والرماد، بين السلم المنشود والحرب المدمرة، وهي على الرغم من صغر حجمها، ومحدودية مساحتها استوعبت حياة كبيرة كاملة حافلة بكل ما في الحياة من معاناة، وإرهاصات، وإشراقات، وخسارات، وخيبات، وإشارات، واستشراف لمستقبل الإنسان فضلاً عن كونها أداة طيّعة ذات طبيعة انفجاريّة، وتشظّياتيّة وهي تمسّ المهم والجوهري في حياتنا وواقعنا.