كتاب " ما ورائية التأويل الغربي " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب ما ورائية التأويل الغربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إشكالية المصطلح
1 - الابستومولوجيا والممارسة الاصطلاحية
يمارس المصطلح دور البؤرة التي تشكل المعرفة أو الحقل المعرفي؛ وذلك من خلال جهاز المفاهيم الذي يشتغل على مقولات فلسفية ومنهج ينطوي على مفاتيح مفاهيمية تؤسس مسار التدرج من مصطلحات أو مقولات منتقلة من نقطة إلى أخرى مرتبطة بالفرضيات أو النتائج المتوخية من الحقل المعرفي أو النظرية ومنهجها الذي ينطلق من خلفية معرفية وفلسفية تساعد على تبلور سيرورة توجه مفهومها وتحدد دلالاتها، وبذلك فإن المفهوم الذي ينطوي عليه شكل المصطلح يتعدد بسبب تعدد حقول المعرفة وتبعا للأثر التاريخي الذي يطور المفهوم، وأن البحث عن منظومة أجهزة المفاهيم الاصطلاحية وحدودها يصعب ضبطها، وذلك لأسباب كثيرة منها مرحلة العائق، والقطيعة والغموض الابستمولوجي 1، والتي يتصف بها إعادة أعمار المفاهيم والمصطلحات، فضلا عن الانزياحات التي تحدث في دلالة المصطلح المفهومي من تضخيم وإنحراف وضمور دلالي مما يؤدي إلى أضطراب وضبابية في مفهوم المصطلح2.
ولقد أصبح معروفا أن المعرفة هي خلاصة الممارسات العقلية التي تتشكل ضمن حدود ثقافية وحضارية محدودة، وقد تدخل في حوار ثقافي مع تشكيلات وتمثيليات ثقافية أخرى، وعليه كانت حاجة المعرفة إلى أن تنتج أجهزة اصطلاحية تستدعيها الأطر المعرفية والمنهجية والثقافية للحقل المعرفي والثقافي والحضاري على جميع الأصعدة ويترتب على ذلك نوعا من المواضعة والتواطؤ والشيوع للمصطلح والمفاهيم بما يتفق مع البنية الثقافية وشرط الحقل المعرفي وحاجات التلقي والاتصالات الثقافية والمعرفية والعلمية، وقد يحدث في سيرورة تطور العلوم والمعارف والمناهج أن يدخل الآخر (الثقافة الأجنبية) بوصفه عامل إضفاء دلالات أخرى على المصطلح مما يؤدي إلى خلخلة وأضطراب في تصورات ومفهوم المصطلح في لحظات التناسل وتداخل الحقول المعرفية والثقافية والأقتراض الاصطلاحي من سياقات ثقافية ومعرفية يهدد البيئة والحاضنة للحقل المعرفي الجديد بسبب الانزياح والانزياحات التي تحصل في اللغة واللغات الأخرى في عملية تجاوز الضوابط النحوية واللغوية للحقل المستعار منه المصطلح والمفهوم مما ينتج للحاضنة الجديدة أن تضفي أسما جديدا لهذا المصطلح والمفهوم في لحظته الأولى للتهجين التي قد تصيب المصطلح في ولادته في السياق والبيئة الجديدة في عملية أو ممارسة جدلية متضادة من خلال الأنعتاق أو التجاوز والثبات في تفاعل اسستعاري يتجلى في محاولة تأسيس ذاكرة تاريخية تأرشف لهذا المفهوم أو المصطلح من خلال توفير بديل (إشارة لغوية) تشتغل بوصفها لغة داخل اللغة تسرع في تأسيس نظام تواصل « يحفظ للفكرة مسارها وللمعرفة بغيتها في تشكيل تصور ثابت يحفظ للنسق الموضوعية ويحافظ على النهج العلمي « 3، وقد يحصل أن يحدث تعارض للمفاهيم واشتباكها ودورانها في مضمار مغلق لا يضفي إلى نتيجة مما يؤدي إلى حدوث أزمة فيما يخص المصطلح وطرائق استخدامه في الحقل المعرفي والسياق الثقافي الجديد مما يحدث لكينونة المصطلح الخلط والغموض والارتباك التي تتسم بها جميع الممارسات المعرفية والمنهجية التي تتصل بالجهاز المفاهيمي الذي يشكل كينونة المصطلح ويؤدي إلى شيوع ضروب من الممارسات تفتقر إلى أبسط مقومات العلم بإجراءات المصطلح والمنهج على وفق انعدام أية مرجعيات جادة تعيد تقعيد العلم الجديد ومفاهيمه الاصطلاحية مما يسبب اختلال في نظام التراسل الطبيعي بين الأمم والأفراد متجليا في إشكالية تتعلق بأصول المصطلح ومصادره، ومفاهيمه، وممارساته، وإجراءاته، وسياقاته، وعلى هذا الأساس تخلق جوا مشحونا بالتناقضات تشد المصطلح نحو سديما أو فجوة دلالية محاولة إخضاع المصطلح للثقافة الجديدة في فاعلية تفاعلية تشحن المصطلح القديم بدلالات جديدة مغايرة لدلالته في الأصل، أو نقل مصطلح ذي الدلالات المحددة في لغة أو ثقافة الأم إلى الثقافة الجديدة مما يقضي إلى أضطراب كبير وغموض ولبس في دلالة المصطلح واستعماله في بيئته الجديدة 4.
ولا شك أن الساحة النقدية المعاصرة في الوطن العربي قد بدأت تستشعر إلى حد كبير أهمية جلاء واستقرار المصطلح النقدي، وعلى الرغم من استشراء آفة الضبابية والاضطراب فيه الا أن محاولة الإفصاح والإبانة - وأن كانت على درجة أقل - بدأت تعي خطورة ذلك على الخطاب النقدي، ولاسيما في العشرين عاما الأخيرة، ولعل ذلك ما دفع مجلة فصول إلى إصدار عدد خاص حول (قضايا المصطلح النقدي) عام 1987 5، ومجلات أخرى دارت في التوجه ذاته، وفي ضوء هذا الهدف ارتأى كتابنا السعي وراء هذه الغاية في التنقيب عن الدلالات اللغوية والاصطلاحية لمصطلح من أكثر المصطلحات النقدية ترددا في الممارسات النقدية الحديثة بشتى ضروبها الا وهو التأويلية (Hermeneutics) طامحينا في الكشف عن الأهمية التاريخية والمعرفية في سياق الفكر الإنساني كما تجلى في الثقافات القديمة والحديثة في شقيها (العربي/الغربي) وما ذلك الا لنكشف مقدار الانزياح الذي لحق به بفعل الأثر الذي الحقته الثقافة الغربية فيه، كاشفين طبيعة التأثر والتأثير والحوار والامتصاص والتفاعل الذي تمارسه الثقافة الغربية بالمظاهر الثقافية وخاصة في النقد الأدبي.