أنت هنا

قراءة كتاب ما ورائية التأويل الغربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما ورائية التأويل الغربي

ما ورائية التأويل الغربي

كتاب " ما ورائية التأويل الغربي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10
ومما تقدم يمكن القول إن التفسير آلية من الآليات المنظومة التأويلية التي تتحدد بالانطلاق من النص ثم التفسير ثم التأويل في مقاربة تفسيرية تساعد التأويل على ضبط حدوده المنسجمة مع حدود النص.
 
ب- اركيولوجيا التأويل في الوعي الغربي:
 
لقد جاء مصطلح التأويلية « ويطلق عليه بالفرنسية، والألمانية، والإنكليزية، والأيطالية، والأسبانية، تباعا، Hermeneutique, hereneutik, hereneutics, ermeneutica من لفظ إغريقي هو: hermeneuein «88، أو hermenus الذي يعني « التفسير، التعبير، الأعلام، الترجمة «89، ويضمه بعضهم إلى الحقل السيميائي « الذي يغطيه الفعل اليوناني أوّل (hermeneuen) بمعنى مصطلحات: عرّف، واشرح، وترّجم وفسّر وعبّر «90، ولكن في الحقيقة أن الأصل الاشتقاقي لمصطلح التأويلية (hermeneutics) يعود في جذوره إلى « الفعل اليوناني (hermeneuein) الذي يترجم عادة بالفعل يّفسرّ (interpretieren interpret) ومنه الاسم (hermeneia) أو التفسير(Interpretation interpretation) «91، فضلا عن أن هذه الكلمة تنطوي على دلالة اشتقاقية ميثالوجية مرتبطة بأسطورة هرمس الذي عرف بوصفه رسولا للآلهة ولم يكن يحمل بالعادة رسالة واضحة بالضرورة إلا أن ظهوره كان يثير البهجة دائما، وربما ظهوره بحد ذاته رسالته التي يقول فيها أنه سيقود الأرواح إلى العالم السفلي عند الموت، وعرف الإغريق منذ وقت بعيد أن الوسيلة يمكن أن تكون رسالة (message)92، وأن أول كتاب « يصادفنا فيه هذا المصطلح هو محاورات أفلاطون «93، إذ يشير سقراط في محاورة (كراتيليوس) Cratylus مثلا بأن هرمس آله خلق اللغة والكلام وربما يكون المؤول أو الرسول أو أن يكون في اللحظة ذاتها لصا أو كاذبا أو محتالا، وأن اللغة تتميز كما يقول سقراط في أنها تحمل في ماهيتها القدرة على الكشف والإخفاء ويمكن للكلام التعبير عن الأشياء جميعا مع قدرته على التحويل أيضا من طريقة إلى أخرى، وأن كون بان (pun) أبن هرمس الذي يمثل جسده أيقونة نصفها العلوي رباني، والآخر سفلي ماعز الذي يشي في دلالته عند سقراط باللغة التي تنقسم بين الحقيقة والزيف، ويرتبط الجزء الحقيق بالجزء الرباني في حين يقترن الجزء الزائف بسبل الإنسان المأسوي (الماعز)، وتتمثل هذه الازدواجية في التجسيد اللغوي والأيقوني بالكاد بقدرة هرمس الذي يسمو فوق لعبتها أو لعبة الصراع هذه؛ لذلك كانت رسائل الإله غالبا مبهمة وغامضة 94، والجدير بالذكر أن أسم هرمس « مرتبطا بوظيفة محددة هي ترجمة ما يجاوز الفهم الإنساني إلى شكل أو صورة يمكن للعقل الإنساني إدراكها مما يعني أن الصور المختلفة للكلمة تقترح عملية تحويل الشيء أو الموقف خارج نطاق الفهم إلى مجال الفهم، ويرتبط ذلك باكتشاف اللغة والكتابة بوصفهما أداتين يستخدمهما الفهم الإنساني لأدراك المعنى ونقله إلى الآخرين «95، وهذا ما يرفضه أفلاطون لاسيما في جانبه الكتابي إذ إنه في أحدى محاوراته (فايدروس) عندما كان يعرض وجهة نظره في الكتابة مستندة إلى أسطورة تحوت الإله المصري (اله الكلمة) -الذي يعادل هرمس اليوناني - الذي توصل إلى اكتشاف علم الحساب، والعدد، والهندسة، والفلك، والحروف الأبجدية التي قدمها بين يدي الملك (ثاموز) لاسيما الكتابة متفاجئا برد الملك الذي انتقد الكتابة التي تمثل له آفة الذاكرة، والكناية الغريبة عن النفس، وعقيمة وميتة لا قدرة لها على الجواب، وقاصرة، وكائنة عمياء، ومتكررة مضامينها، وساذجة ولا قيمة لها 96، ولو وسعنا الرؤية لتلمسنا أن أبعاد الممارسة الهرمينوطيقة تتجاوز المكتوب معممة « مشكل الهرمينوطيقا على جملة الممارسات الفردية والاجتماعية والتصورات والأفعال والمقاصد، بمعنى تهدف إلى فهم صحيح للتجربة الإنسانية برمتها «97، وأن استعمالات الهرمينوطيقا في دلالتها الإغريقية (Hereneutikec) تتمحور في ثلاثة معان أو إتجاهات:
 
1 - تعبير: To say (نطق، كلام، ترجمة) أو التعبير من خلال كلمات.
 
2 - تأويل: To explain (تفسير، إيضاح) كما في توضيح موقف ما.
 
3 - ترجمة: To totraenslute (نقل، تعويض الألفاظ) كما في الترجمة من لغة إلى لغة أجنبية98.
 
1 - التأويلية بمعنى التعبير (القول):
 
إنها أول الإتجاهات الأساسية في توضيح معنى تفسير (hermeneuein) وهو يعبر(express) أو يفصح (assert) أو يقول (say)، ويرتبط ذلك بوظيفة القول عند هرمس على أساس أن القول أو الإفصاح فعل هام من أفعال التفسير إذ يتجلى حضور هرمس بوصفه وسيطا بين الإله والإنسان فهو مفسرا أساسا، إذ إنه قبل هرمس لم تكن الكلمات قد قيلت، وقد تلقى الإلهام من الآلهة في أقواله الملهمة فكان مفسرا لها.
 
2 - التأويلية بمعنى تأويل (إيضاح):
 
إذ إن دلالة (hermeneuein) توضح وتؤكد الجانب الكلامي، لأن الكلمات لا تقول شيئا فحسب وإنما توضح ذلك الشيء أي تجعله معقولا وقد يعبر الإنسان عن موقف ما بدون توضيحه، إذ يمكن القول بأن التعبير والتوضيح شكلان من أشكال التفسير.
 
3 - التأويلية ترجمة بمعنى (نقل أو تعويض الألفاظ):
 
ينطوي جذر (hermeneuein) على الإشارة اللغوية (الترجمة) الذي هو شكل خاص من أشكال العملية التفسيرية المرتبطة بالفهم، إذ يقوم المترجم بدور الوسيط بين عالمين مختلفين تماما كما هو الحال بالنسبة إلى الإله هرمس، وبصيغة أخرى يمكن القول بأن الترجمة قلب الهرمينوطيقا المتمثل في ممارسة المواجهة بين المترجم الذي يربط بين النص والأدوات النحوية والتاريخية المستخدمة 99.
 
وهذا لا يمنع من أن تحدث علاقات محايثة أو متداخلة بين التأويل والترجمة في « اللسان الإغريقي، فلهما الدلالة نفسها، لأن ترجمة النص واستبدال ألفاظه ومنطقاته هو بالضرورة تأويل محتوياته، وإيضاح مضامينه، فالمترجم له وظيفة إيضاح وبيان الألفاظ الأجنبية والغريبة «100، كما نرى « غالبا -خاصة في الاستعمال الفلسفي- إن نشاط المؤول (hermenaus) هو بالضبط ترجمة (أو نقل وإيضاح) العبارات الغريبة والمبهمة إلى لغة مفهومة ووضحة من طرف الجميع»101، أما التعبير فهو « منطوق يكشف عن المقصود والمتواري، بمعنى الكشف عن خباية النفس وسرائر الضمير عبر الكلام والتصريح «102، وأن هذا الارتباط التأويلي بالعبارة قد جرى « التحقق منه بوساطة أحد المعاني التقليدية لكلمة التأويل نفسها وهو المعنى الذي جاءنا من أرسطو «103، في بحثه للغة « القول والفكر والشيء. فإن كانت اللغة تتآلف من عبارات، فإن لهذه العبارات دلالات ومعان، وقد تكون الدلالات أفكارا تقترن بالقول وتعتمد على فكر الفرد وفهمه، كما قد تكون أشياء تشير إليها العبارات «104، وأنه مما يثير الدهشة « بالفعل أن نجد عند أرسطو أن الهرمينوطيقا لا تتحدد بالمجاز، ولكنها كل خطاب دال، ويمكن القول أكثر من ذلك، أن الخطاب الدال تأويل، وهو الذي (يؤول) الواقع، ذلك بما أنه يقول (شيئا عن شيء، وإذ كان ثمة تأويل، فذلك لأن التعبير يعد استحواذا واقعيا بوساطة التعبيرات الدالة، وليس خلاصة مزعومة من الانطباعات الآنية من الأشياء نفسها «105، ويكشف هيدغر في تصوره بأن أرسطو يقصد من اللوغوس أو القول هو « الكشف أو إتاحة رؤية الموجود الذي ينقل - من خلال القول - من التحجب إلى اللا تحجب، من الخفاء إلى الظهور، أي أن القول في صميمه كشف وإظهار «106 وأن كان المشكل قبل ذلك قائما لدى سقراط وأفلاطون بصورة أخرى، إلا أن أفلاطون استطاع بواسطة نظرية المثل « أن يعطي للأسطورة دورا شارحا أو مفسرا ومساعدا على فهم العمليات المنطقية التي أنيط بنظرية المثل أن تحققها وتكسبها الصياغة العقلانية المتماسكة»107، وهذا يعني حسب تصور غادامير الذي ميز بين صيغة الرأي عند أفلاطون (Daxa) وبين العقل (Logos) الذي دعمه أرسطو، فالرأي الأفلاطوني أقل عقلانية لأنه لا تهيمن عليه أشكال البرهان المنطقي والعقلاني الذي نظمه أرسطو، إذ يكمن الرأي الذي ينبع من الجدل وفعله الحواري الذي يشكل مفتاحه السؤال في الممارسة التأويلية الثاوية في قدرتها على أن تكون العتبة أو مدخل الفهم 108، وهذا في الأساس هو العلاقة الأولى والأكثر أصالة بين المفهوم التأويلي، وبين الفهم الذي تشكل بصورة واضحة عندما أصبحت الهرمينوطيقا تمثل حقلا ثانويا من اللاهوت فإن الكلمة « التي كان يتوجب تأويلها هي كلمة الكتاب المقدس «109، والتي تطورت في مسارها التأويلي عند فيلون الاسكندري وتأويله الرمزي، واريجان في دلالاته الثلاثية للنص المقدس الثاوية في معانيها الحرفية، والنفسية، والروحية التي تأصلت في المدرسة الأوغسطينية أو المدرسة الفلسفية وفي عد اللفظ والمعنى شيئا واحدا 110، وبذلك كانت النشأة الدينية واللاهوتية للهرمينوطيقا المحصورة بين جدران الكنيسة ما يبررها إذ كان «المجتمع المسيحي منذ القديم يواجه مشكلات هرمينوطيقية مثل تثبيت الإنجيل المنقول شفويا بواسطة الكتابة، وتشكيل مجموعة الشرائع السماوية في آن واحد، ولتفريق العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد وصياغة العقائد الأولى بمساعدة مفاهيم المجتمعات المسيحية ووعظ المبشرين، والتعليم المسيحي وتعبيرات أخرى حية عن عقيدة الكنيسة «111، ولكن هناك مسار يعود بالتطور أو بجذور التأويل إلى الجهود التي بذلها الأثينيون في العصر الكلاسيكي من أجل استخراج معنى الملاحم الهرميرية التي أصبحت لغتها تمتنع عن الفهم المباشر، في حين يؤكد عدد من الباحثين إلى أنها تعود إلى عشرات القرون مبتدأ في الإسكندرية لتخفت ثم تظهر في عصر النهضة والإصلاح عند مارتن لوثر لتتطور وتزدهر في عصر الأنوار والعصر الرومانسي 112، وتشهد الأصول المعرفية والفكرية والفلسفية على أن المقاربات التأويلية في إرهاصاتها الأولى تبدو غنية وكثيفة معرفي وفلسفي، والتي تمثلت بأوجه مختلفة على وفق السياقات المتعددة والمقاصد ذات المنحى المتعدد بتحديد الخطاب واتساع المعرفة وشموليتها، والواقع في الحقيقة أن مفهوم الهرمينوطيقا في إرهاصاته الأولى كما ذكرنا ينطوي على مجموعة من « المفاهيم الفرعية أو المقابلة التي تشير إلى أصناف مختلفة من العمليات التأويلية الممارسة على النصوص كالفهم، والتفسير، والشرح، والتأويل، والترجمة، والإيضاح...الخ وهذه الفعاليات الهرمينوطيقة نجدها أحيانا مختلفة ومتمايزة، وأحيانا متطابقة ومتماثلة، و أحيانا أخرى متداخلة ومتكاملة «113، وقد قلّصت هذه التفريعات المتنوعة والمتداخلة من الممارسات التأويلية واستقرت ضمن وضعية المصطلح المعياري المحدد الكينونة في جانبيه الاصطلاحي والمفهومي الهرميتوطيقا من طرف « التتنولوجي الستراسبورغي دانهاور(1603 – 1666) في محاضرته عن (الهرمينوطيقا العامة) Johennkonrad Dommhawar قبل الرومانتيكية»114، وليتطور وينتعش في تأويلية شلايرماخر على الصعيد البناء المنهجي والفلسفي والاصطلاحي، فعمد إلى مفهوم عام للتأويلية العامة بدلا من تلك الاستخدامات المقيدة في حقول التأويل، موسعا دلثاي حدوده إلى تجربة وفلسفة الحياة، متطورة إلى انطولوجية فلسفية في تأويلية الوجود عند مارتن هدغير، وغادامير المتبلورة في فهم الإنسان لكينونته وطبيعته وموقفه من الوجود، التي وصلت لذروتها في الرمزية وتعددية المعاني ومحايثة الذات وفهمها عند بول ريكور إلى تجاوز التأويل في جدلية حدود الـتأويل وإفراطه في فكر أمبرتو إيكو، لتتزايد أهمية العودة إلى المؤلف والدفاع عنه المتجلية في ازدواجية المغزى والمعنى النصي عند هيرش، ماضية في العقدية السلطوية والوثيقية في سلطة الجماعة المفسرة في منظومة التأويل الفيشي 115. وإننا معنيون في هذه الفقرة بالوقوف على جانبا من الإيجاز في إشكالية المصطلح بحوامله الإغريقية والغربية قاصدين الإشارة إلى ضرورة استئناف الحديث في المرجعيات في الجوانب الفلسفية لكبار فلاسفة التأويل وهو ما سنتطرق إليه في سياق آخر من الكتاب.
 
يكشف مسار تطور حياة مصطلح التأويلية ثمة تعاريف كثيرة ارتبطت بالمراحل التاريخية والابستمولوجية التي تفضي إلى مزيد من التداخل والتنوع في كينونة المصطلح التي خلصت إليها الدكتورة صفاء عبد السلام علي جعفر مقتصرة على ستة تعاريف محددة متجاوزة بعضا منها، والتي سوف نضيف إليها تعاريف أخرى في هذا السياق لعلها تساعدنا على توضيح أو تبلور تعريف جامع مانع للهرمينوطيقا على وفق المنظور الغربي.

الصفحات