أنت هنا

قراءة كتاب ما ورائية التأويل الغربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما ورائية التأويل الغربي

ما ورائية التأويل الغربي

كتاب " ما ورائية التأويل الغربي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

2 - اركيولوجيا التأويل

لكون مصطلح التأويل يثير إشكالات لا في الثقافة العربية حسب إنما في اللغات والثقافات الأخرى بسبب تعدد مناشئه أو اصطلاحاته من جهة، ولكثرة اضطرابه في الفكر العربي المعاصر والتشتت في استعمال مفاهيم التأويل من جهة أخرى، وهذا مما أقتضى ضرورة إجراء بحثين اركيولوجيين أحدهما عربي، والآخر غربي للتحقيق بالمسألة الاصطلاحية.

أ - اركيولوجيا التأويل في الوعي العربي:

يتصل معنى التأويل في الثقافة العربية بعلاقة جدلية بمصطلح التفسير والذي يمثل بالنسبة للأول الحضور أو الغياب وذلك في دائرة علائقية تستدعي أحدهما الآخر في حدودية الارتباط بحقل الأصول الدينية في تفسير أو تأويل النص المقدس (القرآن الكريم)، وعلى ضوء ذلك، فإن دلالتهما مقيدتان بإجراءات هذا الحقل بصورة مباشرة، ولما كانت الممارسة التأويلية يصعب حصرها بسبب ضخامة الموروث الأصولي الديني وتعدده واتصاله بحقول وعلوم وقضايا ترتبط بالخطاب المعرفي الإسلامي في وجهه المتعددة من علوم القرآن والحديث واللغة وعلم الكلام والمذاهب والفرق الإسلامية وغيرها من العلوم المرتبطة بالدراسات القرآنية، فضلا عن أنه أصبح بفعل التطور الحضاري حقلا اصطدمت فيه كثيرا من المواقف والرؤى وانفتاحه على ثقافات تركت بصماتها في الجهاز الاصطلاحي لدلالات التفسير والتأويل.

وانطلاقا من الأصل أو الحقل المعرفي الواحد، يجدر بنا الفصل بين الإشارة اللغوية أو المصطلحية ما بين هذين المصطلحين، ويحسن أن نتعرض أولا لشيء من التفصيل والتدقيق لحياة وتطور التفسير والتأويل منذ أن كانا مفهومين لغويين دارجين عند اللغويين العرب إلى أن أصبحا مصطلحان فنيين مستعملين في حقول معرفية متنوعة.

أختلف العلماء في جذور كلمة التفسير على عدة أقوال فمنهم من قال أصلها «الفَسْرُ: البيان. فَسَر الشيء يفِسره بالكسر، ويفسُرُه، بالضم، فَسْراً وفَسَّرَه: أبانه»6، ومنهم من يعود به إلى الأصل «الفَسْر: نظر الطبيب إلى الماء، وكذلك... التَّفْسِرةُ البول الذي يُستدلّ به على المرض، وينظر فيه الأطباء يستدلون بلونه على علة العليل، وهو أسم كالتَّنهية، وكل شيء يُعرف به تفسير الشيء معناه، فهو تَفْسِرتَهُ»7، ومنهم من ذهب إلى أنه مقلوب من الجذر اللغوي «سَفَر: ومعناه أيضا الكشف، يقال: سَفَرت المرأة سفورا، ومعناه ألقت خِمارها عن وجهها، وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء، وسافر فلان «8، ولا يذهب بعيدا عن حدود معنى الكشف والبيان عندما يعود أبن الأنباري بجذر السفر إلى قول «العرب: فَسرت الدابة وفسرتها، اذا أركضتها محصورة لينطلق حصرها «9، ولقد ارتبطت دلالة المعنى اللغوي في المعاجم العربية بـ (البيان والظهور والانتقال) متواشجة مع الاستعمال القرآني لكلمة التفسير بمعنى البيان في قوله تعالى (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان: 33)، أي أحسن بيانا وتفصيلا بما نضرب من الأمثال وما نسوقه من الأدلة، ولكن كلمة التفسير شاعت وتواطأت وانتشرت بين الناس بحيث، إذ أطلقت الكلمة يكون المراد منه بيان المعنى الذي يقصده القرآن سواء حقيقة أم مجازا10، وهذا مما عمل على تخطي الإشارة اللغوية المعجمية إلى مجال المواضعة والشيوع والتواطؤ التي التقت واتفقت عليه الذاكرة الجماعية في وضعيته الاصطلاحية التي كانت تتداخل بين العلاقة الاعتباطية حسب دي سوسير بين الدال والمدلول (اللفظ ووجوده العيني) و(واللفظ وصورته الذهنية) التي شكلت نوعا من الضبابية والاضطراب في منظومة الجهاز الاصطلاحي، ولا سيما في اصطلاح العلماء مما أدى إلى أن الإشارة اللغوية المعجمية بقيت على حالها في فهم الأصوليين أو المفسرين لمعاني الظهور والبيان والانتقال؛ ليحدث نوعا من الانحراف في دلالة الصورة الذهنية المؤسسة لكينونة المصطلح التي حصل على أثرها تداخل بين استعمال كلمة التفسير في الحقول المعرفية المختلفة، ومن جهة أخرى وقوع اللبس في تداخله أو قربه من حدود مصطلح التأويل؛ وبذلك لم تحافظ دلالة كلمة التفسير على خصوصية حقلها وكينونتها الاصطلاحية من «وضوح الدلالة واتساقها داخل الحقل الدلالي والمعرفي الواحد والثابت المحدد مهما أختلف السياق»11، ومما أخرج كلمة التفسير بوصفها مصطلح من سياج المحدودية ليشكل عدة معانٍ في الاستعمال المصطلحي الذي تجلى في أن ينطلق في اصطلاح التفسير إلى معنيين:

المعنى الأول: التفسير الذي هو قسم من أقسام البديع الراجع إلى المحسنات المعنوية ويراد به عندهم أن يأتي المتكلم بمعنى لا يستقل الفهم بادراك فحواه ما لم يفسره كلام آخر بعده 12.

والمعنى الثاني: والذي أختلف المفسرين في تعريفه، فهذا الماتريدي يعرف التفسير بأنه «القطع على المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عني باللفظ هذا»13، ويذهب أبو طالب التغلبي في تعريفه التفسير بأنه «وضع اللفظ القرآني أم حقيقة أو مجازا»14، وعرفه أبو حيان التوحيدي في البحر المحيط «بأنه علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن الكريم ومدلولاتها وأحكامها الافرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب»15، ولقد رفض الفناري هذه التعاريف ولم يرتضيها لعدم جمعها ومنعها فأختار تعريفا آخر يتصور أنه جامع مانع في قوله أن التفسير «هو معرفة أحوال كلام الله تعالى من حيث القرائنية ومن حيث دلالته على ما يعلم أو نظن أنه مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية»16، ووسع حدود المصطلح ليشمل سائر العلوم المرتبطة بعلوم الدين في قوله هو «علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها والإشارة النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها»17، ويشرع الأصفهاني في ترسيم حدود المصطلح في أبعاد ومسافات ميتافيزيقية أو البحث عن ميتا لغوية في المراد في قوله «اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وغيره»18، وهكذا يكون الأصفهاني قد أزاح مدلول المصطلحي للتفسير لدخول حدود أرض أو مسارات التأويل لتدخل في عملية تناسل وتلاقح مسببة نوعا من الالتباس والتناقض في تعريف ورسم حدود التأويل، ولكن قبل أن نبدأ التمييز أو التفريق ما بين مصطلحي التفسير والتأويل وجب علينا أن نعالج دلالة التأويل لغة واصطلاحا لعله يساعدنا على كشف أو إظهار الفرق بين التفسير والتأويل، فقد وردت كلمة التأويل في معاجم اللغة العربية منطوية على عدة معان نورد منها الدلالات الغالبة في الاستعمال والتي تمت إلى موضوع الكتاب بصلة:

الصفحات