You are here

قراءة كتاب جماليات السرديات التراثية - دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جماليات السرديات التراثية - دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم

جماليات السرديات التراثية - دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم

كتاب (جماليات السرديات التراثية، دراسات تطبيقية في السرد العربي القديم) يتناول بعض الأشكال السردية القديمة، في النص النثري القديم، تحليلاً وتأويلاً ؛ للكشف عن ذلك المخبوء المعمّى، المستتر خلف حكائية هذه السرديات التراثية، بغية إعادة اكتشافها، والانفتاح عليه

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2

الفصل الأول 

الحكاية التاريخية في الموروث السردي

حكاية الوليد بن يزيد ويزيد بن عبد الملك

توطئة

تزخر كتب التراث الأدبي العربي بمواد حكائية، جاءت في معرض سرد لبعض الأخبار، والنوادر والأمثال، فيصدق على معظمها أنه عبارة عن مجموعة من القصص الإخباري، ونعني بذلك: الحكايات والأسمار الكثيرة والأخبار المشتتة الألوان، متشعبة الأهداف. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أن الخبر التاريخي يظل " مجرد خبر إلى أن يغادر التاريخ إلى الفن، في حال تشكله وفق أصول الفن القصصي، بل ربما يبارح دائرة القصة إلى دائرة الحكاية الشعبية إذا أسرف الخيال في تصويره وأضفى عليه من المبالغة..." وربما كان هذا سبباً لانجذاب القارئ العربي إلى مثل هذه المواد الحكائية، علاوة على عناصر التشويق الأخرى، التي أخرجتها من طابعها التاريخي الجامد وأدخلتها في إطار الحكاية، حتى الشعبية منها. فأكب عليها قارئها مستزيدًا منها، مفتشًا بين حناياها عن الوقائع التاريخية، خاصة ما يوحي بالصدق منها: فمرة يصدقها، وأخرى يبعدها، ليس مكذبًا وإنما مستغربًا دهشًا. هذا الشعور بعينه ينتاب قارئ حكاية الوليد بن يزيد وابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك: فشخوص هذه الحكاية حقيقيون، وحادثة الثورة أو التمرد حقيقية، ذكرتها كتب التاريخ التي أرّخت لتلك الحقبة من الزمن، بل إن القضاء على الوليد كان حدثًا حقيقيًا. وما لم يكن حقيقيًا بين هذه الأحداث، ما أُدخل في الحكاية من شخوص حكائية متخيلة، وما أُنيط بها من أدوار خلعت على الحكاية ملامح واقعية لتبدو أكثر إقناعًا. فكأن واقعيةَ ملامحِها هنا كانت بديلاً للسند، الذي اختفى في مقدمتها، على غير ما تعودنا أن نراه في مثل هذه المواد في كتب التراث، خاصة المجاميع الأدبية منها، وكأني بسارد الحكاية أو مؤلفها، قد اكتفى بهذا عن السند. على كل حال، فإن الأدوار التي قامت بها شخوص الحكاية التاريخية الطارئون عليها لم يُقصد منها أن تكون شاهدًا على ما حدث بعينه، ولا تدليلاً على صدق واقعة بعينها، بل هي مكمّلة لعناصر متخيلة فيها، من أجل الوصول إلى القصد الذي من أجله حيكت الحكاية. ولا يتم الكشف عن الغرض ولا التصريح بالقصد، إلا بالتأويل الذي يعطيها معناها في سياقها التاريخي، وهو الذي يميز بين فهم محتوى الحقيقة وفهم المقاصد، دون أن يرتبط – كشرط – بإدراك الحقيقة، بل بقدر البحث عن المحتوى الكامن في التعبير.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر، أننا إذ نقوم بذلك، فإننا نستلهم من النظرية الحديثة ما يتلاءم مع طبيعة هذا النص القديم، دون أن نعمد إلى تطبيق حرفي لهذه النظرية، حتى لا يتحول التأويل إلى عمل مجرد من كل روح.

الحكاية

الحكاية موضوع الورقة، وقعت أحداثها في العصر الأموي، وهي تحكي ما وقع بين الوليد بن يزيد، وابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك: إذ لما بلغ الوليدَ ابن يزيد أن ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك قد شرّد عنه القلوب ونازعه في ملكه، احتجب عنه سُمَّارُه، دعا يومًا خادمًا له وأمره أن يمضي متنكراً إلى بعض الطرق، ويأتي له بكهلٍ رثّ الهيئة، يمشي الهوينى وهو مطرق، فجاء له بواحد. فلما رآه الوليد سأله إن كان يُحسن المسامرة، فأجابه الكهل إجابات فيها ذكاء وحكمة. ثم أخبره الخليفة بشأن رجل من رعيته – دون أن يصرح من هو – يسعى في ضر ملكه، فرد عليه الشيخ أنه سمع بذلك، فبادره الوليد بطلب النصيحة بهذا الشأن! وفي الحال سرد له الشيخ حكاية عبد الملك بن مروان عندما خرج لقتال عبد الله بن الزبير في مكة، وكان عمرو بن سعيد بن العاص معه في الحملة، فادعى الأخيرُ المرضَ، ورجع إلى دمشق واستولى عليها، ثم خطب في الناس محرضاً إياهم على الخليفة. فلما سمع عبد الملك ذلك، لم يشأ أن يعود إلى دمشق، وصمم على المضي إلى ابن الزبير. فلما رأى تخاذل بعض ولاته عنه، سارَ حتى انتهى إلى شيخ ضعيف سيء الحال ، سأله عن عسكر الخليفة أين هم؟ فقال له الشيخ: وما سؤالك عنهم؟ فأخبره أنه يريد الالتحاق بهم، فنصحه الشيخ بعدم فعل ذلك؛ لأن الأمير - ويعني به الخليفة عبد الملك - قد انحلت عرى ملكه، وأن نهايته وشيكة. عندها طلب عبد الملك رأي الشيخ، فيما يجب عليه أن يفعل، فأشار عليه أن يتيقّن أولاً من وجهة الأمير: إذا كان سيذهب إلى ابن الزبير فإنه مخذول وعليه اجتنابه، وإن كان سيعود إلى دمشق لاستردادها من عمرو بن سعيد فليرجُ له السلامة. وبعد جدال بين عبد الملك والشيخ حول حالته مع ابن الزبير، وحالته مع عمرو أجابه الشيخ: أنه إذا حارب ابنَ الزبير فسيكون بصورة الظالم؛ لأن ابن الزبير لم يغتصب ملكه، وأما إذا حارب عمروَ بن سعيد فإنه سيكون بصورة المظلوم الذي ظلمه من اغتصب ملكه، وضرب له مثلاً من قصص الحيوان حكاية ثعلبين، هما: ظالم ومفوِّض: احتلت الحية جحر ظالم ولم يستطع العودة إليه، فسار حتى وجد جحراً، فسأل عن صاحبه وأُخبر أن اسمه مفوِّض، فناداه ورحب مفوض به، وسأله عن حاله فأخبره، ثم عرض عليه أن يبيت عنده حتى يجد له حلاًّ. إلا أن ظالماً طمع في جحر مفوِّض لسعته وحسنه، ورتب في نفسه مكيدة ليستولي عليه، ولكن المكيدة ارتدت عليه وبالاً، إذ مات محترقاً، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه! كما قال مفوّض!!
 

Pages