كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كيف نحرر وعينا العربي من أسر ماضينا وأفكارنا فيه
كثيراً ما تساءلت وأنا في غمرة البحث المضني عن الطريق الذي يمكن أن يقود بلداننا إلى النهضة، أي إلى مستقبل أفضل: ترى، إلى أي حدّ، وإلى أي مدى، سيظل تاريخنا الحديث والقديم، وتجاربنا فيه، ومرجعياتنا الفكرية، العلمانية والدينية، وصراعاتنا مع ذاتنا ومع الآخر، وانتصاراتنا وهزائمنا في المعارك التي خضناها ونخوضها من أجل تحقيق الحرية لشعوبنا، إلى أي حد وإلى أي مدى سيظل هذا التاريخ يلعب دوراً مؤثراً في تحديد معالم وسِمات هذا الطريق واتجاهات التطور فيه، والقيم الانسانية وأشكال التعبير عنها، ومستويات الوعي الفردي والجماعي السائدة، والبرامج والمشاريع التي تحملها قوى التغيير بإسم مرجعياتها الفكرية وبأدوات كفاحها المادية والروحية؟! وأنا على ثقة بأنني لست الوحيد بين الباحثين في هذا الميدان الصعب الذي تشغله هذه التساؤلات وتؤرقه. ذلك أن تاريخنا، نحن العرب، قديمه بشكل خاص، وحديثه كذلك، يكاد لا يفارق وعينا أبداً. بل هو قد وصل في مراحل معينة إلى حد التسلط الكامل على هذا الوعي. الأمر الذي أدى ويؤدي، أو يكاد، إلى ما يشبه انغلاق آفاق المستقبل أمامنا. فندخل، أو نكاد في أسر الماضي، نجتره ويجترنا، ونغرق في تفاصيله ونتوقف عن السير إلى الأمام. وتنتكس، بفعل ذلك، تراكمات كفاح طويل وشاق أسسنا على قاعدته، وبالاستناد إليه، لبعض عناصر التقدم في ميادينه كافة، أو في بعض هذه الميادين، كلياً أو في شكل جزئي.
إنها إشكالية كبيرة ولا شك. هكذا تبدو لي الأمور، وهكذا أفهمها وأتعامل معها وأعاني منها في بحثي الدائم، وفي همومي التي لا تنتهي في هذا البحث. وإنطلاقاً من شعوري ومن معاناتي أرى أنه حان الوقت لأن نتحرر من هذه الاشكالية، بالنضال على جميع الجبهات والأدوات المختلفة، ضد الذات في الدرجة الأولى، وضد كل ما يمكن أن يأتينا من خارج معرفتنا ومن خارج إرادتنا، ومن خارج حدود بلداننا. والتحرر المقصود هنا هو التحرر من سلطة الماضي، ومن سيطرته على الوعي والمشاعر والأفكار والقيم والبرامج، وكل ما يتصل بشؤون الحياة. ولست أعني بالخروج من أسر الماضي الخروج من تاريخنا. فذلك كلام عبثي لا تربطني صلة به. المقصود بالخروج من الماضي هو التحرر من سيطرته على أفكارنا، والدخول في الطريق الذي يوصلنا إلى المستقبل الأفضل الذي ننشده لحياة شعوبنا.
وأستشهد هنا بنصين لماركس أرى فيهما ما يؤكد اقتناعي بضرورة الربط الصحيح بين تراث الماضي وأفكار المستقبل.
يقول ماركس في كتابه "الثامن عشر من برومير، لويس بونابرت"، في تحليله لشخصية بونابرت، ولبعض الشخصيات التاريخية، التي يؤدي ظهورها على مسرح التاريخ إلى إعادة التاريخ إلى الوراء، يقول ماركس:"... إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم، لكنهم لا يصنعونه على هواهم. إنهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها هم بأنفسهم، بل في ظروف يواجهونها. وهي معطاة ومنقولة لهم من الماضي. إن تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء. وعندما يبدو هؤلاء منشغلين فقط في تحويل أنفسهم والأشياء المحيطة بهم، وفي خلق شيء لم يكن له وجود من قبل، عند ذلك بالضبط، في فترات الأزمات الثورية كهذه على وجه التحديد، نراهم يلجأون في وجل وسحر إلى استحضار أرواح الماضي لخدمة مقاصدهم. ويستعيرون من تلك الأرواح الأسماء والشعارات والأزياء، لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ العالمي في ذلك الرداء التنكّري الذي اكتسى جلال القدم، في تلك اللغة المستعارة.... وعلى هذا النحو يعمد دائماً المبتدئ الذي تعلم لغة جديدة إلى ترجمة تلك اللغة بالفكر إلى لغته الأصلية، لكنه لا يكون قد استوعب روح اللغة الجديدة. ولن يستطيع أن يعبر بها بطلاقة، إلا عندما يستغني عن الترجمة بالفكر وعندما ينسى لغته الأصلية، وهو يستعمل اللغة الجديدة".
ويقول ماركس، أيضاً، في رسالة له موجهة إلى نوفيهايمن بتاريخ 22 شباط من عام 1881:"... إن ما يجب فعله في حقبة معينة في المستقبل، فعله مباشرة، إنما يتوقف كلياً، بالطبع، على الظروف التاريخية المعينة، التي يتعين العمل بها..". ويتابع ماركس، في الرسالة ذاتها:"... إننا لا نستطيع أن نحل معادلة لا تتوفر في معطياتها عناصر حلها...".