You are here

قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

وأستشهد في السياق ذاته بنصَّيْن للينين. النص الأول مأخوذ من مقال له نُشر في 23 آب من 1910، بعنوان "بعض خصائص تطور الماركسية في روسيا". يقول لينين:"كان إنجلز يقول في معرض الحديث عن نفسه وعن صديقه ماركس إن مذهبهما ليس مذهباً جامداً، بل هو مرشد للعمل. إن هذه الصيغة الكلاسيكية تبين بقوة رائعة وبصورة أخاذة هذا المظهر في الماركسية الذي يغيب عن البال في الكثير من الأحيان. وإذ يغيب هذا المظهر عن بالنا، فإننا نجعل من الماركسية شيئاً وحيد الجانب، عديم الشكل، شيئاً جامداً لا حياة فيه. ونفرغ الماركسية من روحها الحية. وننسف أسسها النظرية الجوهرية، أي الديالكتيك، أي مذهب التطور التاريخي المتعدد الأشكال، الحافل بالتناقضات. ونضعف صلتها بقضايا العصر العملية والدقيقة، التي من شأنها أن تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ. وبالتحديد، فلأن الماركسية ليست عقيدة جامدة، عقيدة ميتة، مذهباً منتهياً، مذهباً جاهزاً، مذهباً ثابتاً لا يتغير، ولأنها، بفعل كل ذلك، مرشد للعمل، كان لا بد لها من أن تعكس التغير الفريد السرعة في ظروف الحياة الاجتماعية". النص الثاني مأخوذ من مقال للينين نشر في منتصف شهر تموز من عام 1917. يقول لينين:"... عندما يقوم التاريخ بانعطاف سريع، كثيراً جداً ما يحدث ألا تستطيع حتى الأحزاب المتقدمة، خلال زمن طويل إلى هذا الحد أو ذاك، أن تألف الوضع الجديد، وتتخلى عن الشعارات التي كانت صحيحة بالأمس، ثم فقدت، في الظروف الجديدة، كل معنى، فقدت معناها فجأة، بالقدر الذي جاء فيه في شكل سريع ومفاجئ ذلك الانعطاف التاريخي الجديد...".

إنني أتحدث هنا كاشتراكي. مرجعيتي الفكرية، التي أسهمت في تكويني خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمن هي الماركسية. وهي ماركسية يتطور فهمي لها، نظرياً وسياسياً وعملياً، وتغتني على الدوام بمصادر جديدة تقدمها لي أنا على الأقل، أحداث حياتنا وحياة العالم، وتجاربنا وتجارب الآخرين، وكل التطورات العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء منها تلك التي تحدث في شكل بطيء، أم تلك التي تحدث في طفرات بشكل عفوي، أو بفعلٍ إرادي منظم. وكاشتراكي، بهذا المعنى، سأحاول في هذا البحث الذي ينتمي إلى الفكر السياسي أن أربط، بشكل واقعي، قدر الامكان، بين همي المستقبلي المتمثل بتحقيق النهضة من خلال المشروع الاشتراكي، الذي لا بد من تحديثه وإعادة صياغته في شروط العصر بعامة، وفي الظروف الملموسة لبلداننا بخاصة، وبين تلك العناصر من تاريخنا التي أشرتُ إليها، وإلى الدور الذي مارسته، ولا تزال، في إعاقة عملية التقدم والتطور، أي إعاقة تحقيق النهضة. أقول الربط الواقعي، وأرمي بذلك إلى ضرورة بذل أقصى الجهد من أجل تجنب الوقوع في خطر التعميم المتعسّف وخطر القطع والحسم، والتعامل بمرونة مع الوقائع، ومواصلة التفتيش والإبداع وتوقّع احتمالات الالتباس أو الخطأ في التقدير!

سيكون من الصعب عليّ بالتأكيد الدخول في إشكاليات تاريخنا القديم، وفي تراثنا الضخم بكل ما فيه من عظيم في ميادين المعرفة والتقدم، وبكل ما فيه من عناصر التخلف والإعاقة. لذلك سأكتفي بالإشارة، مجرد الاشارة، إلى حركة النهضة ومفكريها ورموزها، الذين عرفتهم بلداننا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن الماضي. والهدف من الاشارة إلى تلك الحركة هو التذكير بأن تلك الحركة العظيمة الباهرة التي كانت ترمي لتجديد حياتنا العربية وتحريرها من رواسب التخلف والإعاقات الذاتية والموضوعية الداخلية والخارجية، قد اصطدمت، منذ البداية وخلال فترة طويلة من الزمن، من داخل مجتمعاتنا ومن الموروث السائد في الفكر وفي الوعي وفي التقاليد، بحواجز ومعيقات أضيفت إليها عناصر خارجية أدت جميعها إلى هزيمتها وفشلها. ولم يبقَ لنا منها سوى رموزها المفكرين النهضويين الكبار وأفكارهم، نعتز بهم وبها وننام على أمجادهم وأمجادها.

إلا أن هذه النهضة ذاتها قد أثبتت، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن العقل العربي مؤهل بامتياز للإبداع في مجالات التقدم والتنوير، والإفادة من منجزات الشعوب الأخرى، والتفاعل معها والمشاركة الحقيقية في صنع وإغناء الحضارة الانسانية. صحيح أن مفكري النهضة قد تأثروا بأفكار الثورة الفرنسية وبحركة التنوير التي مهدت للثورة، وبالحركات السياسية والفكرية التي أعقبت قيام الثورة، وبالأفكار التي انتشرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بما في ذلك أفكار الاشتراكية من سان سيمون والفابيين والفوضويين وصولاً إلى ماركس. إلا أن مفكري النهضة تميزوا بقدرٍ كبير من الابداع في صياغة أفكارهم، وفي محاولة تبيئتها لكي تتطابق مع واقع بلداننا، ومع شروط تطورها التاريخي. وهذا ما عبّرت عنه ظاهرة التقاطع بين ما حمله الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من موقعهما الديني، وما طرحه فرح أنطون وشبلي الشميل وآخرون من الاتجاه الآخر الأكثر اقتراباً من العلمانية بمفهومها الأوروبي.

ومما لا شك فيه أن لفشل حركة النهضة العربية الأولى في العصر الحديث أسباباً داخلية في الدرجة الأولى، أزعم أن عناصرها الأساسية كانت موجودة بمعظمها في ما أشرتُ إليه آنفاً، أي في كون شعوبنا كانت مشدودة إلى تاريخها إلى الحد الذي أصبحت فيه أسيرة لهذا التاريخ، يسيطر عليها ويتحكم بوعيها ويحرمها حرية الحركة في اتجاه التقدم، ويبقيها في الماضي. ويتمثل هذا الأمر في أن سلطة الدين منزوعة منه قِيَمه، وسلطة المؤسسات التي تحمل اسم الدين تعسفاً، وهي بمعظمها مؤسسات رجعية مكرسة لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية لمن هم في موقع القرار الفعلي في الدولة والمجتمع. إن هاتين السلطتين، ومعهما وفوقهما بالطبع سلطة الحاكم الأجنبي، سواء في عهد الامبراطورية العثمانية أم في مرحلة الانتداب سواء منه الفرنسي أوالبريطاني، ثم في زمن سلطة حكومات الاستقلال المعادية للديمقراطية، جميع هذه السلطات تشكل بمواقفها وبمواقعها وبمصالحها وبسياساتها، المصادر الأساسية لذلك الخلل الكبير الذي أشير إليه، وهو الذي أدى إلى فشل مشروع الاصلاح الديني الذي طرحه رواد النهضة، المأخوذ من أوروبا ومن فرنسا الثورة تحديداً. وما زال حتى الآن شعاراً مرفوضاً في بلداننا ومُداناً، ومسدودة أمامه الطُرق من الاتجاهات كافة.

Pages