You are here

قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

وهو يعتبر أن التغيير يتم في شكل ثورة. ويحدد شروط قيام هذه الثورة في أن التراكم الكمي للنضالات، أي الارادة والوعي من ناحية، والتراكم الكمي في الشروط والظروف الموضوعية من ناحية ثانية، يصلان إلى مرحلة يصبح فيها التغيير حتمياً في شكل قفزة نوعية.

تلك هي بعض أفكار ماركس الأساسية التي لخصتها كما هو واضح في شكلٍ مبسط وكثيف، تسهيلاً لإيصالها إلى الجمهور الواسع ولإثارة النقاش حولها.

وبنفس الطريقة التي لخصت بها بعض أفكار ماركس المشار إليها، سأحاول هنا تقديم بعض ملاحظاتي على هذه الأفكار، التي توحي لي بها شروط العصر وكل التطورات والتحولات التي شهدها العالم في هذه الفترة الزمنية التي تفصلنا عن آخر أيام ماركس والتي تبلغ قرناً وربع القرن من الزمن.

أبدأ بالتأكيد على أن المادية الجدلية والمادية التاريخية هما عماد فلسفة ماركس اللتين تنقلان وظيفة الفلسفة من تفسير العالم إلى تغييره وتحويله، هما الحدث الأكبر في تاريخ الفلسفة، الذي يكمل به ماركس ما كان قد بدأه بعض أسلافه من كبار الفلاسفة، الماديين والمثاليين. إلا أن قوانين الديالكتيك، التي حددها ماركس بكثير من الدقة، قد خضعت، وتخضع اليوم، لكثير من التعديل فيما يتعلق بتطور الحياة الاجتماعية، وبتطور حركة التاريخ. ولا يستثنى من هذه العملية أي من هذه القوانين، وأي من المقولات الفلسفية المرتبطة بها. ولا أناقش هنا ولا أجادل في الجوهر المادي لهذه الفلسفة. ما يهمني الاشارة إليه في ملاحظاتي هو أن التطورات التي حصلت في حركة التاريخ الاجتماعي وفي الاكتشافات العلمية الفائقة الغنى والتنوع والعمق قد أدخلت تعديلات وتدقيقات جوهرية على هذه القوانين والمقولات ترافقت مع تغييرات جوهرية في الواقع ذاته، على الصعيد العالمي وعلى صعيد البلدان كلها، المتقدمة منها والمتخلفة على حد سواء.

أنتقل من العام إلى الملموس، فأقول:

أولاً، إن تأكيد ماركس على أن العوامل المادية هي المحرك الرئيسي للتطور، وأن الصراع الطبقي هو الشكل الملموس الذي يتجسد فيه دور هذه العوامل المادية والذي جعل ماركس يحدد أربع تشكيلات اقتصادية اجتماعية قبل الشيوعية مرّت بها البشرية منذ فجر التاريخ، إن هذا التأكيد من قِبَل ماركس لم يعد اليوم بمستوى الدقة والحسم اللذين تحدث بهما منذ قرن ونصف القرن، أي منذ صدور "البيان الشيوعي". ومعروف أن ماركس ذاته قد طرح تساؤلات حول هذا الموضوع، حين اعتبر أن ما كان صالحاً، من وجهة نظره بالنسبة لأوروبا في بعض بلدانها وليس في كل هذه البلدان، لم يكن صالحاً بالضرورة بالنسبة لبلدان الشرق، وحتى بالنسبة لبلد مثل روسيا التي كانت تتطور رأسمالياً، ولكن في شكلٍ مختلف عن شروط هذا التطور في أوروبا الغربية. ومن بين ما اقترحه ماركس للتفكير وللبحث، بالنسبة لبلدان الشرق، ما سمّاه "نمط الانتاج الآسيوي". لكنه طرح هذا الموضوع للبحث وللنقاش وللتدقيق. أضيف إلى ذلك بأن ماركس تحدث، ربما بأقل مما كان ينبغي عليه أن يتحدث، عن دور العوامل غير المادية في حركة التاريخ، وسماها هو ذاته العوامل الروحية. وتُبين أحداث الأمس واليوم أن دور هذه العوامل ليس قليلاً، رغم أنه مرتبط، بهذا الشكل أو ذاك، بالعوامل المادية التي تبقى من حيث الجوهر هي العوامل الأساسية في حركة التاريخ.

ثانياً، إن الطبقات التي حددها ماركس ورسم صورتها وحدد شكل تطورها في كتاباته لم تعد هي ذاتها اليوم، بعد كل ما شهدته البشرية من تطورات كبرى وتحولات في عملية الانتاج وفي وسائلها وأدواتها، ومن تحولات داخل الطبقات سواء منها الطبقة البرجوازية أو الطبقة العاملة. وصار بالإمكان القول اليوم، ربما بقدر غير قليل من عدم الدقة في تصنيف الطبقات المعاصرة، بأن ثمة طبقات برجوازية وطبقات عاملة. ذلك أن الطبقة العاملة قد توزعت، بفعل التطورات العاصفة المشار إليها، إلى فئات تختلف وتتناقض في ما بينها في مواقفها في عملية الانتاج وعلى هامشها. كذلك الأمر بالنسبة للبرجوازية لكن بمقاييس أكبر. وأياً كان حجم هذا الاختلاف اليوم هنا وهناك، فإنه قد يكون مرشحاً للتطور في المستقبل، إذا ما استمر الاستقطاب داخل عملية الانتاج التي تتحكم بها التكنولوجيا المتسارعة والفائقة التطور، وداخل حركة الرأسمال في صيغته الراهنة التي تحمل صفة وسمة العولمة. إلا أن ذلك لا يعني أن الصراع الطبقي قد زال أو انتهى. فهو صراع أبدي، ولا يمكن أن يزول. لكن أشكاله تغيّرت. وهي ستظل تتغيّر باستمرار. والاستقطابات قد تبدلت وستظل تتبدل باستمرار. لذلك صار من الضروري أن يُعاد النظر في كل ما ارتبط بتصنيف ماركس للطبقات وللصراع الطبقي في عالم اليوم، ليس فقط بالنسبة للبلدان الرأسمالية المتطورة، بل حتى بالنسبة للبلدان التي لا تزال تعاني من التخلف في تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري. وفي أي حال فإن هذا الأمر سيظل يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق، من خلال المعاينة الميدانية لما يجري على الأرض من وقائع مادية ملموسة. لكن الثابت في تحليل الوقائع والتغيرات هو أن فئة قليلة من طغاة الرأسمالية المعولمة ستظل تتحكم بالثروات وبما تتوصل إليه الاكتشافات العلمية من أجل التحكم بمصائر الأكثرية الساحقة من البشر على الكوكب. وستظل هذه الفئة هي الخصم التاريخي لكل الذين يقع عليهم من قبلها الظلم والاستغلال والقهر. وفي هذا الاستقطاب المتعاظم بين البشر يتخذ الصراع الطبقي القديم صيغته المعاصرة.

Pages