كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أفكار ومفاهيم قديمة أخلت مكانها لأفكار ومفاهيم جديدة
لحركة التاريخ مسارها الطبيعي. ولهذا المسار منطقه وشروطه. ولا بد لمن ينتمي إلى مشروع مستقبلي، لا سيما المشروع الاشتراكي، أن يواكب هذا المسار في حركة التاريخ حتى لا يبقى في الماضي، ويبقى خارج التحولات التي تأتي بها الأحداث في الأزمنة المتعاقبة. ورغم أن ماركس كان يدافع عن أفكاره ومفاهيمه في زمانه، فإنه كان ينصح رفاقه دائماً بعدم تقديس الأفكار والمفاهيم وتحويلها إلى عقائد جامدة. وكان استناداً إلى فهمه لحركة التاريخ دائم الاستشراف للمستقبل. هنا تكمن عبقريته. لذلك فإنني سأمارس حقي، من موقعي كإشتراكي معاصر، في النقاش مع بعض أفكار ومفاهيم ماركس التي أرى أنها لم تعد صالحة للزمن الذي نحن فيه. وهذا الحق الذي أعطيه لنفسي في نقاش أفكار ماركس لا يعود فقط إلى أنه حق مبدئي وطبيعي لأي إنسان في أن يناقش كل فكر قديم وحديث. بل هو يعود في الأساس إلى أن الفكر الانساني في كل العصور هو بطبيعته فكر ينتمي إلى تاريخ، أي أنه فكر تاريخي، وأنه برغم ما فيه من عظيم وجديد يفقد في الزمن الجديد الكثير مما كان عظيماً وجليلاً في زمانه، ويخضع للنقد والتحديث من موقع الاحترام لدوره التاريخي. وبهذا المعنى فإن وظيفة هذين النقد والتحديث هي توليد فكر جديد معاصر. هذا بالضبط ما فعله ماركس عندما حدد مصادر فكره وانتقدها جميعها، ووضع الأسس لأفكاره ومفاهيمه الجديدة بإسم الاشتراكية التي أعطاها هو وصديقه إنجلز صفة الاشتراكية العلمية بديلاً للاشتراكية الطوباوية. واستناداً إلى تجربة ماركس هذه في صياغة أفكاره ومفاهيمه بدأ بعض المفكرين الاشتراكيين منذ مطالع القرن العشرين يمارسون صياغة أفكارهم الجديدة. وفي السياق ذاته، وفي شروط أخرى مختلفة، أشير إلى أن عدداَ من المفكرين والفقهاء الدينيين، الاسلاميين خصوصاً، بدأوا يمارسون قراءة جديدة معاصرة للنصوص الدينية، آخذين في الاعتبار أن الجانب المتعلق منها بحياة البشر هو بشري، لذلك تعاملوا معها كنصوص تاريخية.
لكن عليَّ أن أعترف أنني في إقتحام مغامرة البحث في هذا الميدان الصعب في النقاش مع بعض أفكار ومفاهيم ماركس، أشعر بالرهبة. مع ذلك أدخل في هذا البحث لأنني أشعر بضرورته، ما دمت أعتبر أن تحديث المشروع الاشتراكي هو حاجة موضوعية لحاضرنا ولمستقبلنا. على أن هذه المهمة التي أدخل فيها ليست سهلة. وهي ليست مهمة فرد ولا حتى مجموعة بعينها من الأفراد، ولا هي مهمة زمن محدد. لذلك فإن ما أستطيع أن أفعله كفرد هو أن أحاول تقديم بعض الاجتهادات التي تتلاءم مع قدرتي ومع معارفي. وهي إجتهادات تحمل طابعاً شخصياً بالطبع. ولا تلزم أحداً. والتراكم في البحث والاجتهاد هو وحده الذي يستطيع أن يولد الجديد الحقيقي، ولو طال الزمن.
هنا تبرز أهمية الحرية في الفكر، التي من دونها تنتفي إمكانية الابداع وإمكانية التراكم في المعرفة، هذا التراكم الذي يساهم في الوصول في كل مرحلة إلى خلاصات واستنتاجات عامة، سرعان ما تصبح هي ذاتها بحاجة إلى إبداعات واجتهادات فكرية جديدة تولد تراكماً جديداً في المعرفة، وهكذا دواليك إلى آخر الدهر. أقول ذلك لأن أي فكرة تنطلق من الحسم والإطلاق من شأنها أن تشكل بذاتها عنصر إعاقة في تحقيق التقدم. وهذا بالضبط ما قدمت بدعة التحريفية البرهان عليه. إذ هي ظلت مشهورة لفترة طويلة من الزمن في وجه المبدعين، حتى ولو كانوا على خطأ، هذا إذا صح أنهم كانوا حقاً ودائماً على خطأ، وتركت آثارها السلبية على عملية الابداع والتراكم في المعرفة. والتحريفية في حركتنا الاشتراكية تشبه التكفير الذي يُشهره اليوم أهل التعصب الديني في وجه المجتهدين حتى من أهل الفكر الديني ذاته، الذين يحاولون تحرير الدين من سلطات بعض المؤسسات والأحزاب والحركات الدينية الرجعية، وهي في معظمها تعبر عن مصالح قادتها، وتتماثل وتتقاطع مع مصالح السلطات الاستبدادية القائمة.
الحرية إذن هي الأساس في حياة البشر، الحرية التي تصونها القوانين. أعطي لنفسي الحق، من موقع إنتمائي القديم والجديد إلى الاشتراكية، في النقاش مع بعض أفكار ومفاهيم ماركس التي كنت، مع سواي من إشتراكيي جيلي والأجيال السابقة، أستند إليها من دون نقاش في قراءتي للأحداث في بلداننا وفي العالم، وفي قراءتي لمستقبل بلداننا ولمستقبل العالم. تغيرت الظروف، وتغير الزمان، وتغيرت أنا أيضاً مع مجمل هذه التغيرات. وإذ اخترت الحرية، بعد أربعة عقود من الالتزام والمسؤولية في الحزب الشيوعي، فإنني أمارس اليوم، بإسم إشتراكيتي الجديدة المتصلة بالعصر، ما أعتبره مراجعة نقدية لتجربتي ولأفكاري وللماركسية التي هي مرجعيتي الفكرية الأصلية. أقول مرجعيتي الأصلية بالمعنى الزمني والتاريخي لإرتباطي بالماركسية منذ شبابي الباكر. وأعترف من دون تواضع أن لمراجعتي النقدية هذه مستوى يتطابق مع قدراتي الذاتية ومع معارفي ومع ما استطعت إمتلاكه من قدرة على التحليل بحكم التجربة والممارسة والقراءة التي هي عدتي الدائمة في تراكم المعرفة في ميادينها المختلفة.