كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قد يجد جهابذة الفكر الاشتراكي المعاصرون ممن يعتبرون أنفسهم، ويعَرَّفون بالمفكرين الماركسيين، في ما أسوقه من أفكار ونقد فكري ونقاش مع بعض أفكار ماركس ومفاهيمه، قد يجدون بعض التعسف أو النقص في المعرفة. وهو حقهم. وأنا أدرك ذلك. لكن المهمة التي أنخرط فيها في هذا البحث حول تحديث المشروع الاشتراكي تفرض عليّ أن أتناول الأمور بأكثر ما يمكن من التبسيط الذي قد يحتمل بعض التعسف. فأنا أتوجه في كلامي إلى جمهور واسع، وليس إلى مفكرين. وفي ظني أن ماركس بالذات سيتسامح مع بعض التعسّف الذي قد يقودني إليه التبسيط في عرض أفكاري، ما دمت أتوجه إلى الجمهور الواسع.
على قاعدة ما أشرت إليه من شروط ممارسة مهمتي في هذا البحث، أبدأ بعرض مبسَّط وسريع لبعض أفكار ماركس التي تشكل الأساس في مشروعه الاشتراكي لتغيير العالم. وغنيٌّ عن التأكيد بأن فكر ماركس يقوم أساساً على النقد بكل معانيه، نقد الواقع ونقد الأفكار ونقد المفاهيم. وفي ذلك النقد بالذات تكمن قيمته الكبرى. لكن أهميته التاريخية تتأكد في أنه أرفق نقده ببدائل. وماركس، في مؤلفه الأساسي "رأس المال"، وفي كل كتاباته قدَّم للبشرية أول مشروع فكري وإقتصادي وسياسي من نوعه في التاريخ. ويشكل الفكر الذي استند إليه هذا المشروع اختراقاً جديداً وفذاً في حركة التاريخ، يتوحد فيه الفكر مع الحركة من أجل تغيير العالم وتحويله. وجوهر هذين التغيير والتحويل وغايتهما الأساسية الوصول بالعالم إلى نظام جديد للبشر يحررهم من كل القيود التي أُخضعوا لها منذ بداية التاريخ، ويحقق لهم التقدم مقروناً بالعدالة الاجتماعية. فكر ماركس إذن الذي استخلصه من قراءة معمقة لحركة التاريخ الفكرية والسياسية والاجتماعية والفلسفية عبر العصور، ومن قراءة معمقة للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي كان سائداً في أوروبا في زمانه، هو الفكر الذي نحاول أن نستلهم منه اليوم في صياغة مشروعنا المستقبلي المعاصر. أقول نستلهم، ولا أقول ننسخ. فالنسخ أو النقل وما يشبههما لا يُنتجان إلا دماراً بأشكال مختلفة، ولو طال الزمن. لأن النسخ أو النقل هما فعل مغاير ومناقض لقوانين الحياة ولحركة التاريخ، سواء بالنسبة للأفراد أم بالنسبة للجماعات.
سأحاول هنا، تسهيلاً لمهمة النقاش التي أغامر بخوضها، تلخيص بعض أفكار ماركس النقدية الأساسية المقترنة بالبدائل، معترفاً مسبقاً بأن تلخيص مثل هذا النوع من الأفكار لمثل هذا النوع من المفكرين الكبار أصحاب المشاريع التاريخية الكبرى، هو تلخيص يحتمل التعسف. لكن غايتي التي أشرت إليها آنفاً من التلخيص المكثف والمبسط قد تفسر هذا التعسف من دون أن تبرره. وأسارع إلى القول بأن هذا الفكر العظيم، على أهميته، لا يمكن أن يتخذ صفة الديمومة. فهو فكر تاريخي ونسبي. والتاريخية والنسبية اللتان لا جدال في صحتهما تجعلان تجاوز هذا الفكر، انطلاقاً مما توصل إليه ماركس، مسألة طبيعية بالنسبة للأجيال التي جاءت بعد ماركس، ومنها على وجه الخصوص اليوم أجيالنا نحن في تعاقبها من جيل الماضي إلى جيل الحاضر وصولاً إلى جيل المستقبل، لكن في الشروط التاريخية لتطور بلداننا ولتحولات العصر، وليس خارج هذه الشروط.
سأحاول إذن تلخيص هذه الأفكار النقدية، وبدائلها، في شكل نماذج متقطعة، مفصولٌ بعضها عن بعض.
ينتقد ماركس الفلسفة الكلاسيكية التي كانت مصدراً من مصادر فكره، لأنها كانت، بحسب تعبيره، تكتفي بتفسير العالم. لذلك فهو يستبدلها بالفلسفة الحديثة التي لا تكتفي بتفسير العالم، بل تضع أمامها مهمة تغييره وتحويله.
وهو ينقد البرجوازية، كطبقة مسيطرة، وينقد نظامها، نظام الاستغلال والقهر، وينقد ديمقراطيتها التي هي دكتاتورية الأقلية، وينقد دولتها التي هي أداة سيطرتها الطبقية وأداة الاستغلال والقهر والهيمنة والقمع. ويستبدل البرجوازية بنقيضها الطبقي، البروليتاريا. ويستبدل نظامها الرأسمالي بالنظام الشيوعي. ويستبدل ديكتاتوريتها، أو ديمقراطيتها المزيفة، بدكتاتورية البروليتاريا التي هي، في تحديده لها، ديمقراطية الأكثرية. ويستبدل دولتها الطبقية بالعلاقات الشيوعية التي تتلاشى وتنطفئ فيها الدولة. ويصبح المجتمع اللاطبقي سيد نفسه عندما تتوافر شروطه في اليوتوبيا الشيوعية. إذْ تنتفي الحاجة في هذا المجتمع إلى الدولة، كأداة قمع واستغلال وقهر من طبقة ضد طبقة، ويحل محلها وعي البشر المتقدم. وهي يوتوبيا الماركسية التي تشكل حافزاً للنضال من أجل التقدم تحقيقاً لسعادة الانسان.
وهو ينتقد كل أفكار أسلافه التي تعتبر حركة التاريخ حركة عفوية. ويستبدل هذه النظرة بنظرة نقيضة، تعطي لهذه الحركة نوعاً من الانتظام دائم التطور، يولد فيه الجديد على أنقاض القديم. وهي "حتمية تاريخية" تقترن بالوعي الذي يرافق نهوض القوى الجديدة. ويحدد ماركس هذه الحركة، في تسلسلها التاريخي، في شكل انتقال طبيعي تعاقبت فيه تشكيلات اقتصادية اجتماعية أربع هي: المشاعية والرق والإقطاعية والرأسمالية. ويعتقد ماركس أن التطور الطبيعي، وفق هذا التسلسل من تعاقب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية، سيؤدي حتماً إلى ولادة تشكيلة جديدة مختلفة نوعياً عن التشكيلات الأربع السابقة، هي الشيوعية. وهذه التشكيلة هي أرقى التشكيلات من حيث كونها تحقق الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وتلغي أسس الاستغلال والقهر اللذين يلازمان المجتمعات الطبقية. إلا أنها ستمر حتماً، حسب تحليل ماركس، في مراحل انتقالية لا حصر لها وفق شروط تاريخية محددة. ولا يتم هذا الانتقال من مرحلة إلى مرحلة إلا عندما تنضج الشروط للانتقال. فالحتمية، وفق منهج ماركس المادي الجدلي، هي حتمية مشروطة يتلازم فيها الوعي مع الارادة مع نضوج الظروف الموضوعية للتغيير.
وهو، إذ ينتقد كل تاريخ نضال الأكثرية، الذي كان يتم بقيادة الأقلية، فإنه يدعو البروليتاريا إلى أن تهيء نفسها لكي تتمكن من تحقيق برنامجها الثوري المشار إليه، أي برنامج تحررها وانعتاقها وتحرر وانعتاق المجتمع كله معها، وأن تنشئ منظمتها السياسية الخاصة بها في استقلال كامل عن البرجوازية. فهذا التنظيم السياسي المستقل، الحزب، هو الذي يشكل أداة البروليتاريا في نضالها الثوري التحرري هذا، الأداة التي تساعدها على توحيد المجتمع كله تحت قيادتها وحول برنامجها الثوري التغييري.
وهو في أهم نقد قام عليه فكره يشرح في كتابه "رأس المال" أساس وجوهر وآليات الاستغلال الرأسمالي المستند إلى الملكية الخاصة لوسائل الانتاج المولِّد، بصورة دائمة وبشكلٍ تصاعدي، فائض قيمة أو قيمة زائدة، تنتزع خلال عملية الانتاج من قوة العمل وعلى حساب الحقوق الأولية للعامل في الحياة وفي ضمان تحسّنها واستمرارها.