You are here

قراءة كتاب أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي

كتاب " أفكار حول تحديث المشروع الاشتراكي " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

أستشهد في هذا الصدد حول موضوع الطبقات والتحولات التي حصلت فيها بنص للفيلسوف الروسي الماركسي بليخانوف جاء في الوصية السياسية التي أصدرها في عام 1918. يقول بليخانوف: "أنا، الآن، كماركسي-ديالكتيكي، سأسمح لنفسي لبعض الوقت أن أكون ناقداً لماركس، ومن دون أن أتخلى عن أو أتبرأ من أي شيء كتبته في الماضي، سأفصح عن "حماقة" لا تغتفر من وجهة نظر البلاشفة. وأعتقد أن وجودي بين الماركسيين لسنوات طويلة يمنحني الحق في ذلك. أما لماذا قمت بوضع كلمة "نقد" بين الأقواس، فهذا ما سيصبح واضحاً فيما بعد. خلال الأشهر الأخيرة التي أظهرت بصراحتها أن أيامي قد أصبحت معدودة، أمعنت التفكير كثيراً، وفي النهاية قررت صياغة ما كان يقلقني منذ زمن بعيد بحداثته، ويحيرني لعدم وجود إثباتات. أنا أعتقد أن ديكتاتورية الطبقة العاملة بمفهوم ماركس لن تتحقق أبداً – لا الآن ولا في المستقبل، وها هو السبب. فبقدر تغلغل وترسيخ آلات الانتاج الجديدة المعقدة المصممة على العمل بالكهرباء، وعلى ضوء إنجازات العلم التالية، سوف تتغير التركيبة الطبقية للمجتمع ليس في صالح البروليتاريا، بل وستصبح البروليتاريا نفسها طبقة أخرى. وسيبدأ تعداد البروليتاريا، تلك التي ليس لديها ما تفقده، في التقلص، ومن ثم ستحتل الانتلجنسيا المركز الأول من حيث التعداد ومن حيث الدور في عملية الانتاج. لم يقم أي أحد بعد بالاشارة إلى هذه الامكانية على الرغم من أن الاحصائيات الموضوعية تتحدث عن أن صفوف الانتلجنسا منذ بداية القرن العشرين تتزايد في علاقة تناسبية أسرع في صفوف العمال. وعلى الرغم من أن الانتلجنسيا تبقى، إلى وقتنا هذا، مجرد "خادمة" للبرجوازية، إلا أنها في ذات الوقت تبقى أيضاً تلك الطبقة المميزة التي تمتلك مهمة تاريخية لها خصوصيتها. فالانتلجنسيا بإعتبارها أكثر طبقات المجتمع تعليماً وثقافة مكلّفة بحمل مشعل التنوير والأفكار الانسانية والتقدمية إلى الجماهير، إنها –شرف وضمير وعقل الأمة. وأنا لا أشك إطلاقاً بأنه في أقرب وقت ممكن سوف تتحول الانتلجنسيا من "خادمة" للبرجوازية إلى طبقة لها خصوصيتها وتأثيرها بشكل خطير من حيث تعدادها الذي ينمو بإطراد، ومن حيث دورها الذي سيتركز أثناء عملية الانتاج في توصيل قوى الانتاج إلى حد الكمال: إبتكار آلات جديدة وأدوات جديدة وتكنولوجيات جديدة وخلق عامل رفيع التعليم والثقافة".

ثالثاً، إن مقولة ماركس القائلة بأن التناقض بين تطور القوى المنتجة وعلاقات الانتاج الرأسمالية سيُحل حتماً لصالح القوى المنتجة بانحلال علاقات الانتاج الرأسمالية القديمة التي تُعيق تطور هذه القوى، وولادة علاقات إنتاج أرقى هي علاقات الانتاج الشيوعية التي تتلاءم وتتوافق مع هذا التطور، إن هذه المقولة هي اليوم بحاجة إلى تدقيق وتطوير. إلا أن ماركس الذي ظل يؤكد على حتمية زوال الرأسمالية وزوال علاقات الانتاج المرافقة لها لصالح نظام أرقى وعلاقات إنتاج ارقى تؤمِّن بقيامها الشروط لتطور القوى المنتجة، ظل يؤكد بالمقابل على ضرورة توافر الشروط الضرورية التي من دونها لن يكون بالإمكان تحقيق استكمال هذه العملية. لذلك لم يحدد زمناً واضحاً وقاطعاً لهذا التحول، وإن كان قد ظل يميل إلى التنبؤ بالوصول إلى ذلك في المستقبل المنظور. والواقع هو أن الرأسمالية قد أثبتت قدرتها على تجديد نفسها وعلى الاستمرار في التطور وعلى الاستمرار في تطوير القوى المنتجة بمقاييس مذهلة. صحيح أن الرأسمالية، وهي تُسهم في هذا التطوير المذهل للقوى المنتجة، إنما تسهم في المقابل في خلق القوى المادية التي تدمّر الحياة والطبيعة وتزيد حجم الاستغلال والقهر للإنسان، وتعمق استعباده واستلابه، وتحول كل شيء في المجتمع، بما في ذلك القيم الروحية والأخلاقية والثقافية وقيم الحرية والعدالة، إلى سلع للاستهلاك، وتجعل كل شيء يصب في خدمة مصالحها لتعظيم الربح على حساب الأكثرية الساحقة من البشر وعلى حساب الطبيعة ذاتها. إلا أن الكتلة الأكثر تسلطاً والأكثر هيمنةً والأكثر توحشاً داخل الرأسمالية، إنما تخلق ضدها خصماً هو أكبر وأوسع مما كان يعطيه ماركس للطبقة العاملة، النقيض والخصم الطبقي التاريخي للبرجوازية.

رابعاً، إن دكتاتورية البروليتاريا، التي وصفها ماركس بأنها ديمقراطية الأكثرية، لم تكن في آخر قراءاتي لها منذ نصف قرن، لا في الشكل ولا في الجوهر، في صالح التطور الذي جرى التنظير له على أنه الأساسي من أفكاره. وفي الواقع فإن هذه المقولة قد أسهمت، من خلال تطبيقها داخل التجربة الاشتراكية المنهارة وفي التجارب المستوحاة منها، وفي صيغة الأحزاب الشيوعية وفي ممارساتها السياسية والتنظيمية والفكرية، أسهمت في خلق نمطٍ من الاستبداد نقيضاً، في المبدأ وفي التفاصيل، للاشتراكية ولفكر ماركس بالذات. وهو الاستبداد الذي ساد في الدولة وفي المجتمع في بلدان التجربة، وفي حياة الأحزاب الشيوعية (موضوعة الحزب الواحد والقائد الواحد)، وقد دفعت ثمناً باهظاً له فكرة الاشتراكية ذاتها وحركة التطور التاريخي بوجه عام. ولعلّ المصدر الأساسي لهذا الاستنتاج عند ماركس، الذي أثبتت الحياة خطأه، إنما يعود ربما إلى ظروف عصره التي لم تكن قد نضجت فيها شروط قيام الديمقراطية في أشكالها الملموسة المعاصرة. والديمقراطية، التي هي من إنتاج البرجوازية في مراحل تطورها، قد بدأت تحتل بعد انهيار النموذج السوفياتي في التجربة الاشتراكية موقعها الطبيعي في حركة النضال من أجل التغيير كديمقراطية سياسية واجتماعية في اتحاد حقيقي وموضوعي بينهما في الشكل وفي المضمون. والديمقراطية بهذا المعنى تطال كل جوانب الحياة وتطال النشاط الانساني في ميادينه المختلفة. وتشكل التعددية في الحياة السياسية والاجتماعية واحداً من شروط ممارسة هذه الديمقراطية.

Pages