كتاب "الجامعة العربية والعمل العربي المشترك 1945-2000"، هذا البحث الذي قام على تحليل النصوص بغية استكناه دور هذه المنظّمة وفهم مسارها وإدراك غايتها يهدف أساساً إلى سد نقص طالما صاحب مثل هذا النوع من الدراسات من قبل فئتين من الباحثين هما فئة المنتقدين لدور ج
أنت هنا
قراءة كتاب الجامعة العربية والعمل العربي المشترك 1945-2000
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
وهكذا برز نوع من التعايش بين مفهومين مختلفين في السياسة العربية، هما مفهوم السيادة الوطنية لكل دولة من الدول العربية المستقلة، ومفهوم الوحدة العربية بصيغة مصالحة بين هاذين الاتجاهين، (ومنذ البداية اعترفت البلدان العربية صراحة بتنوع أنظمتها السياسية، وبالتناقضات التي يمكن أن تقوم بسبب هذا التنوع، وكانت تنظر إلى الجامعة بوصفها أداة لتوجيه التيار أو التيارات الوحدوية العربية التي أخذت تتبلور منذ نهاية الحرب العالمية الثانية(3).
فالميثاق الذي صدر كان عبارة عن صيغة مصالحة بين أولئك الذين كانوا يرون في الجامعة أداة توحيد، وبين أولئك الذين يدعون إلى الاختيار الحر الخالي من الالتزام، وحتى التنسيق والتعاون الذي اتفق عليه في اجتماع القاهرة بديلاً للوحدة أو الاتحاد الذي كانت تطمح إليه الشعوب العربية لم تقع عليه الموافقة بسهولة خوفاً من تعارضه مع موضوع السيادة القطرية للدول الأعضاء، ولذلك فقد ركز الميثاق على أن التنسيق والتعاون يرتبطان بمسألة السيادة، وهذه الكلمة لها الفيصل وجميع الحقوق التي تطالب بها الدول الأعضاء من بعضها البعض إن هي إلا نتيجة مستمدة من هذا المبدأ، وقد أوضحت ديباجة الميثاق بشيء لا يدعو إلى اللبس والغموض هذه الحقيقة حيث برهنت بأنه (تثبيتاً للعلاقات الوثيقة بين الدول العربية، وحرصاً على دعم هذه الروابط وتوثيقها على أساس احترام استقلال تلك الدول وسيادتها، وتوجيهاً لجهودها لما فيه خير البلاد العربية قاطبة وصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها وتحقيق أمانيها وآمالها) (4).
وهكذا فإن (التعاون) الذي برز في النصوص هو عبارة عن تعاون طوعي اختياري، تقرره الأكثرية غير ملزم إلا لمن يقبله، وقد جاء ذلك في المادة السابعة من الميثاق (ما يقرره بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله، وفي الحالتين ينفذ قرارات المجلس في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية)، غير أن واضعي الميثاق لم يسدوا الباب أمام فكرة الاتحاد أو الوحدة العربية أو التنسيق والتكامل، لكن ربطوا كل ذلك (بالسيادة)، سيادة الدولة على إقليمها، فقد نصت المادة التاسعة من الميثاق (أن من حق الدول الأعضاء في إقامة علاقات أوثق فيما بينها أن تعمل في هذا الاتجاه)، كما نصت المادة التاسعة عشرة على إمكانية تعديل الميثاق لجعل الروابط بين الدول العربية أمتن وأقوى.
ويتبلور التعاون والتنسيق بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة في قيام علاقات أوثق بين الدول الأعضاء مثل المصادقة على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة سنة 1951، وإبرام معاهدة التعاون الثقافي لبناء جيل عربي موحد الفكر والثقافة في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والاتفاقيات الصحية والعلمية، وفي مجال المواصلات والإعلام والاقتصاد والأمن، وفي العلاقات مع المنظمات الإقليمية والدولية، مثل الموقف من منظمة الوحدة الأفريقية، أو العلاقات مع المجموعة الأوروبية، أو مجموعة عدم الانحياز، والمشاورات في إطار الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.


