رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..
أنت هنا
قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
عندما اتصلتْ بي صديقتي إلهام من السّعوديّة وأخبرتني بأنّ هناك وفدًا سعوديّا سيذهب إلى غزّة وكنت قد أسررتُ لها مرارًا وتكرارًا عندما كنت ألتقيها في المؤتمرات الأدبيّة بأنّي أرغب في الذَّهاب إلى هناك·· لم أصدّق نفسي وقلت بشقاوة طفلة:
- سأصبح مثل أبي·· لي ذاكرة·· وألبوم صور زيتوني القسمات، وخابية مملوءة بالقصص وليل يحكي قصّة الفرسان ونهار يُشيّع الشّهداء·· سأسمع مواويل الفلاحين وأطرز مع الفلاحات ثوباً فلسطينيّ الألوان!!
لكنّني كنتُ قلقة؛ لأنّي أحببتُ أن أنهي الرّواية (رواية أبي وعمي أبو رجا) قبل ذهابي إلى غزّة فجاءت الزيارة لتغير مجرى قلمـي!!
هو 1
وتركتني مريم وسافرتْ إلى غزّة·· تركتني بين ذكرياتي وأوراقي، تركتني أشبه ذلك الطفل الذي نام وعلى خدّه دمعة·· أتسكّع بين ذكرياتي وحدي، أخيط في المساء ثوب الحكايات، أبحث عن مرفأ في ذاكرتي يحملني فوق الغيم علّني أرتاح· ستتركني مريم لمدّة عشرة أيّام لتذهب مع قافلة أميال من الابتسامات·· عشرة أيّام كاملة أتفرَّس حياتي السابقة في الغربة وحياة أخي >أبو رجا< في الأسر فيبدو لي كلّ شيء باردًا باهتًا!! فقد كانت مريم هي من تسكب رذاذ بردها وسلامها على حكايتي·· تشعلها وتشعلني·
مريم ليست بجانبي الآن لتلتقط على صوت أزيز القلم ما يخيط ثوب روايتها·· روايتي·· سأكتب وأكتب ريثما تعود·· سأترك لأصابعها العاشقة الولهى أن تكتب حكايتها الجديدة مع وطن مخبّأ تحت مسامات الجلد وفوق أجنحة الطير·· ستقفز مريم قفزة زمنية هائلة·· ستذهب إلى غزّة المحاصرة بينما لا زلتُ في ليبيا وما زال أخي ( أبو رجا ) في الأسر!!
هي
حجزتُ تذكرة الطّائرة إلى القاهرة واتفقت مع صديقتي إلهام وجهاد على اللقاء في المطار·
قالت إلهام:
- ما عليكِ شَيْ·· لا تقلقي كلّ الترتيبات جاهزة مثل ما يقولون من الباب للباب!!
صوت ارتطام عجلات الطّائرة في مطار القاهرة·· يذكّرني بهبوط أبي على أرض ليبيا لكنّ شتان ما بين هبوطي وهبوطه!!
هبوطه قيد وسُهْد ومسامير وجع تتحرّش بذاكرة الوطن، هبوطه تيه فراشة لا تجد نارها·· احتراق الصّوت ورماده··· أنين ملهوف··· وتر ممزّق ومفتاح ضائع!!
وهبوطي يحملني من تابوت الغربة إلى حِضْن الوطن·· فأغدو كما الياسمين أرش نثاري لكلّ العابرين!!