رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..
أنت هنا
قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
كنتُ أركض وراء حروف أبي، أتعلق بذيل كلّ كلمة كما يتعلق الصغير بذيل أمه وكأنّني كنت أطارد وطنًا في ثنايا الحروف!! أركض بين الحروف والكلمات لعلي أبصر ما لم أبصر وأسمع ما لم أسمع·· لكني لم أكن لأتخيّل أن يقع الوطن بين يدي هكذا فجأة··!!
وصلنا فندق ( كونراد ) القاهرة عصرًا وغادرنا بعد صلاة الفجر مباشرة في اليوم التّالي·· الصّور تتزاحم في مخيلتي·· يا تُرى كيف ستكون غزّة وكيف سأكون في حضنها؟
في الحادية عشر ظهرًا وصلنا معبر رفح المصريّ·· عندها أدركتُ أنّي على شفا جرف عالٍ·· أستمطر رذاذًا من بحر غزّة!!
العين خيط من نور يسحق العتمات المنغرسة في أقصى الحدقة، والقلب الجمرة يلملم الدّم المنطفئ فيغدو الدّم الساكن في الشرايين نبضًا لأوّل مرة، والشّفة المرتعشة بتعويذة صامتة ينفذ منها الصّوت الدافئ ليستبدل الشّهقة الحَرّى بريشة طائرة في باحة الفرح·
في المعبر المصريّ يتهافت الباعة على الحافلة التي تقلنا وصديقاتي السّعوديّات الأربع·· أنصت لمناداتهم وتحايلهم· ينزل الأخ كرم المرافق للوفد والمكلّف بإيصالنا إلى غزّة، يأخذ الجوازات·· نبقى في الحافلة·· نمضغ الوقت نتأمّل الوجوه·· والشّجر والحجر وحركة الباعة والمعبر الفقير الجائع الغاضب المطليّ بأنفاس العابرين وصبرهم وولعهم بوطن يسحر الألباب غير أنّه ليس بسحر!!
المئات ينتظرون على المعبر·· بعضهم يفترش الصخر وبعضهم يلعن في السر وآخرون يقطعون الإسفلت ذهابًا وإيابًا وقد أنهكهم الدّوران·
تشعر حبيبة بالتعب·· تحاول أن تخرج من الحافلة لتختبر قدرة قدميها على المشي بعد طول الجلوس لكنهم أشاروا لها بعدم النّزول من الحافلة·
كان كلّ شيء يدعو للقرف تحت وطأة الإهمال والانتظار المبرمج·· إلاّ أحاديث رفيقات الدرب السّعوديّات·· جمعتنا غزّة وإلهام التي كانت صديقة مشتركة ونقطة وصل بيننا نحن الفلسطينيَتين والسّعوديّات الأربع·
في ممرّ الحافلة وقفت حبيبة تحكي:
- أنا أعدُّ نفسي فلسطينيّة من شرق الجزيرة العربيّة!!
- سألتها : كيف انثال حبّ فلسطين في قلبك؟