أنت هنا

قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رب إني وضعتها أنثى

رب إني وضعتها أنثى

رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 8
الآن أركب الطّائرة بصحبة زوجتي بشرى من عمّان إلى بيروت إلى طرابلس الغرب حيث وصلناها وقد أرخى الليل سدوله·· ثمّ نُقلنا إلى نُزُل في تلك المدينة وكان بصحبتي العديد من المعلّمين·
 
نمتُ أوّل ليلة غربة·· هل نمتُ حقًا؟ ها أنا أستبدل مدينة بمدينة·· مدينة جديدة أحاول أن أستكشف تقاسيمها وأخلع معطفها الليلي لأراها بوشاح الصّباح البهيّ·· لم تغمض لي عين حتّى قطفتُ باكورة الشّمس ثمّ رحت في سبات عميق!!
 
في الصّباح المتأخّر ذهبت إلى وزارة المعارف الليبيّة فعُيِّنت في مدينة الزّاوية الغربية!! وليس أصدق من دقّة القلب ورفّة الرمش حين يلوح اسم الوطن مرّة أخرى·
 
ها أنا أكتشف أنّ للوطن امتدادًا سحريّاً وأنّ الوطن قد ينبعث من صقيع الغربة!!
 
الزّاوية مرّة أخرى!!
 
عُيِّنت في مدرسة الزّاوية الثانويّة ومن هذه المدرسة الوحيدة في المدينة تخرّج عضوا مجلس قيادة الثّورة الليبيّ وهما الخويلدي الحميدي ومصطفى الخروبي وهما العضوان اللذان بقيا مع العقيد حتّى آخر لحظة في حياته وسلّما نفسيهما إلى الثّورة الليبيّة التي اندلعت في 71/2/2102·
 
في نفس اليوم استأجرت شقّة بمبلغ خمسين دينارًا من صاحب الصيدليّة المقابلة للبريد، بتنا في تلك الليلة في منزلنا الفارغ إلاّ من فرشة ومخدّتين وغطاء اشتريتها كلّها على عجل· نمنا في ذلك المنزل الذي لا يبعد عن المدرسة سوى مئة متر في طريق فرعيّ وترابي متفرّع من الشّارع العامّ الوحيد المسفلت في مدينة الزّاوية، تحيط بالبيت أشجار البرتقال·· أقطف برتقالة·· أندهش من رائحتها، من لمعانها وتمايلها بين أصابعي العاشقة الولهى!! أخالها برتقالة فلسطينيّة تدحرجت لتنقر على زجاج غربتي معزوفة سكينة وأمان!! أمسح عليها بكلتا يدي·· أشعر بوخزات في صدري فلن أحتمل المزيد·· ما أصعب أن يكون وطنك في يديك ولا يكون!! في الساحة الخلفيّة للبيت أرى أشجار الصّبّار!! الصّبّار الذي ينبت حول دارنا في الزّاوية الفلسطينيّة!!
 
أكانت مفارقة؟ أم مصادفة؟ أن يطارد الصّبّار صدرًا يمور بالنّار!! لماذا يصرّ هذا النبات الشّوكي الذي أعشقه وأتقن تقشيره كنساء الزّاوية·· لماذا يلاحقني وينغرس في أحلك ساعات حرماني وخذلاني؟ أتراه جاء خصيصًا لمواساتي؟ كم يدهشني هذا الصّبّار بأصابعه الشّوكية التي لا تعدّ ولا تحصى وهي تخطّ على جرحي دِثارًا يهدهدني!!
 
لأوّل مرة· أشعر بأنّه حانٍ كحضن أُمّ· باسمٌ كوجه السّماء· ترى هل سيصبح الصّبّار حِرزي القادم عندما أوشك أن أغفو؟ خِفت لوهلة· خفت أن أتيه في تيارات ريح الغربة فجاء ليعلّمني كيف تتّزن أجنحتي· وكيف أتحكّم في بُوصُلَتي رغم سفري الطويل، جاء ليعلّمني الحذر من عبث الغربة بذاكرتي!!
 
أنت هنا في الزّاوية·· ها هي الزّاوية تفرش خضرتها من جديد تشمّ رائحة بحرها تحسّه لزجًا، دبقًا ولا تراه!!
 
ذهبتُ إلى المدرسة·· ملأت نموذجًا للتّعبئة يُملأ من قبل كلّ مدرّس جديد·· من ضمن النّموذج مكان الولادة فكتبت الزّاوية فلما قرأه المدير قال لي:
 
- هل أنت من الزّاوية؟ من هنا؟
 
- قلت له أنا من الزّاوية بفلسطين!! حضنني وهو يضحك مرحبًا مردّدا:
 
- سبحان من دحاها!!

الصفحات