رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..
أنت هنا
قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سأبقى أنتظر حتّى يأتيني الإذن بالدخول·· سأنتظر وأنتظر قبل أن أتبيّن أنّهم يمارسون استفزازًا ومطاردة وطن في أضلاعي· سأنتظر قبل أن أتبيّن أنّهم يدحرجونني من علٍ ليمسكوا بي فُتاتًا· ولكن أنّى لهم·
أجلس على الكرسيّ الأماميّ للحافلة·· أُخرج أوراقي وقلمي·· أكتب كلماتي التي لو بقيت لنفثت السمّ في عروقي·· أعيد كتابتها لتخرج أكثر أناقة وأحَدَّ لسْعًا!! أقرأها على رفيقات دربي لأصحو فجأة على أصوات جلبة في الخارج تأمرنا أن نتوجّه فورًا إلى مكتب المخابرات المصريّة!!
دخلنا إلى غرفة ضيّقة فيها مكتبان وصفّان من الكراسي على شكل حرف ( لـ )· على كلّ مكتب يجلس ضابط أحدهما يدخّن ويثرثر على الهاتف همسًا بصوت بالكاد يُسمع· أما الآخر فهو يقلّب جوازات سفر ليست لنا·· عرفتها من لونها، أمّا جوازات سفرنا فقد بقيت ملقاة بلا مبالاة لمدّة ساعة كاملة·
ساعة كاملة ونحن ننتظر إشارة، أخيرًا أمسكَ بالجوازات نظر إليها بسرعة ثمّ قال:
- بالسّلامة!!
أيها الضابط المصريّ·· لماذا تصرّ أن تمارس دور جنديّ الاحتلال حتّى بعد زواله؟ لماذا تصرّ أن تذكّرني بمنفاي وأشلائي المتناثرة هنا وهناك؟
- لماذا تصرّ على القتامة مع اشتداد النّور وإصراره على البزوغ؟
ظننتك ستحقّق معي، تستجوبني، تسألني، لكنك حتّى لم تنظر لوجهي إمعانًا في إذلالي· كلّ ما أردتَه هو أن تسحق فلسطينيّتي وأن تمرِّغ أوراقي المزهرة في التّراب وتنثر إنسانيّتي على صفيح ساخن·
نخرج من الغرفة الضيّقة كضيق عقولهم وعواطفهم·· الغرفة ذات الرائحة العفنة المختلطة بدخان السجائر إلى صالة واسعة تخلو من النظافة والترتيب·· تصطفّ فيها كراسي حمراء بشكل ٍمتواز· في أقصى الصالة كشك يبيع المشروبات والسكاكر والشيبس·
الشّبابيك بإطارات حمراء من كثرة اتّساخها لا ترى من خلفها· الأرض سوداء· على أوقات متباعدة تتمّ مناداة الأسماء بشكل رتيب مملّ حتّى يفقد المريض وكبير السنّ والزائر صبره، وحتّى يذكّروك بأنّ الاحتلال ما زال جاثمًا على صدرك وإنْ ولّت أيّام حسني مبارك فما زال فلوله يمارسون دوره!!