رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..
أنت هنا
قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
الهبوط الأول
هو 1
يا ترى ما هو شعور آدم عندما هبط على الأرض لأوّل مرة؟ أيشبه شعوري الآن؟ تِيْه فراشة لا تجد نارها·· احتراق الصّوت ورماده؟·· أنين ملهوف؟·· وَتَر ممزّق؟ مفتاح ضائع؟· كلّ ذلك هو شعوري لحظة هبوطي على هذه الأرض!!
أغادر عمّان ولم يكن قد مرّ على زواجي سوى ثلاثة أشهر، حيث تعاقدت مع وزارة المعارف الليبيّة في 7/5/1969 براتب يفوق أربعة أضعاف ما كنت أتقاضاه في الأردن· كانت ليبيا آنذاك مملكة يرأسها الملك إدريس السّنوسيّ وكان من المقرّر أن أسافر إلى ليبيا في 7/9/69 وضعت التّأشيرة على جواز سفري باسم المملكة الليبيّة وبينما كنت أُعدّ نفسي للسفر حدث انقلاب في ليبيا بقيادة الملازم أوّل معمّر القذافي·
عندما قدّمت استقالتي من وزارة التربية والتعليم الأردنيّة·· أصرّ مديري على بقائي في المدرسة - وكان هو الذي طلبني شخصيًا من إدارة التعليم- لا سيّما وأنّه كان مدرّسًا لي من قبل· ويعرف أنّني من الأوائل على معهد العَرّوب في الخليل، لكنّني قلت له يومها:
- ثمّة وطن قد فقدته هناك·· فكلّ البلاد بعده سواء!!!
شُطبت التّأشيرة الأولى ووضعوا لي تأشيرة جديدة باسم الجمهوريّة الليبيّة وتقرّر سفرنا أنا وبشرى في، 62/9/96·
كان آخر راتب حصلت عليه هو ثلاثين دينارًا· ثلثه يذهب أجرة لما يسمّونه مجازًا سكنًا، غرفة وحمام ومطبخ مهترئ في حيّ المحطّة بعمّان· أما الباقي فكان بالكاد يكفينا لا سيّما وأنّ أمّي كانت تعيش معنا وكنت أبعث بمساهمة مالية في تعليم أخي عبد الله حيث كان يدرس في جامعة بغداد·
خمس سنوات هي مدّة إقامتي في عمّان· مدرّسًا للغة الإنجليزيّة· راتب أوّل ثلاث سنوات بنيت بها بيتًا لأخي (أبو رجا) في الزّاوية ردًا لجميله· لقد كان بيتًا من الحجر المسمسم، أشجار الزّيتون من خلفه، وأمامه خمسة دونمات من أشجار التّين والعنب والليمون والصّبّار والكوسا والبطاطا والسّبانخ والبصل والملوخية والبامية والفاصوليا وكلّ الخَضراوات في وقتها، عندما تقف على شرفة المنزل ترى الطّائرات وهي تهبط في مطار اللدّ· من الشّمال ترى قرى مسحة وعزون وعتمة، وحين تقف على الشّرفة الجنوبية ترى قرى رافات ودير بلوط، وإذا وقفت على شرفة غربية ترى الأرض المحتلّة أمامك· أما السّنتان التّاليتان فقد جمعتُ فيهما المهر لأتزوّج·
خمس سنوات في عمّان لتبدأ بعدها رحلة الاغتراب من جديد وكأنّ قدر الفلسطينيّ البحث عن حتف جديد·· عن لقمة بطعم صبّاري·· عن نسيان يرشف الذكرى!!
لم أكن أعلم أن رحلة الاغتراب ستطول وتطول وأنّ حلم العودة يزداد بعدًا يومًا بعد يوم·· أربعون عامًا قضيتها بين مغرب العالم العربيّ ومشرقه·· بينما وطني الذي اقتلعت منه تتخمّر فيه نبرة العتاب وتعبق فيه رائحة الدم·