أنت هنا

قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رب إني وضعتها أنثى

رب إني وضعتها أنثى

رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 9
بعد أيّام قليلة استلمت مبلغ خمسمائة دينار، راتب ثلاثة شهور وكان هذا المبلغ نصف المبلغ الذي كنت أحلم أن أملكه وهو ألف دينار·
 
الزّاوية مرّة أخرى·· ويرفض طعم زيتونك أن يفارق لساني وترفض ريحك الزّاهية إلاّ أن تداعب قسماتي، كنت أتوقّع أن أشدّ على جرحي من ملح الغربة وغربة الفلسطينيّ ليست كغربة غيره!! فكانت الزّاوية الغربية بلسمًا لي من نزف آمالي· ها هو نشيد بيّارات البرتقال يعلو وتراتيل الزّيتون تزهو، ها هو الصّبّار ينبض فيها فلا أغفو· كلّ ما فيها يذكّرني بزاويتي الفلسطينيّة فتخضرّ فيَّ حقول الفرح وتنثر على صفحة قلبي الرَّواء·
 
أحببت ليبيا وأحببت الزّاوية بالذّات وأدركت أنّ الله يغدق عليّ وأنا أتمطّى في مرقدها من جديد وكأنّ الله يهدهد وجعي المتوالد· عشقتها وعشقت أهلها البسطاء الطيّبين مع أنّني استغرقت وقتًا ليس بالقصير في فهم لغتهم· فاللهجة الليبيّة مزيج من العربيّة وبعض التّعابير الإيطالية ولكن باستعمال العربيّة الفصحى تغلّبت على هذه المشكلة·
 
ها هي الزّاوية الغربية تحتال على حزني وشتاتي، تعيد ترتيل أيّامي القادمة، ترسم بظلال الزّيتون قناديلي التي تأبى الانطفاء، أزهو بها وتزهو بي، هي منّي وأنا منها·
 
هو 1
 
أتذكَّرنُي يدَ طفل وليد تعاتب إصبع الأبوّة الهاربة! دمع خجول يعانق الصّبر ولا حقَّ له أن يترافع عن حقّه الضّائع· أطبقتُ الجفن على الجفن وعجلات الطّائرة توشك على الهبوط في مطار طرابلس الغرب· وما بين أجنحة الطّائرة وحوافّ اليد الوليدة الرّقيقة التي كانت تشدّ بقوّة على إصبع الأب، تتسابق المشاهد والصّور لتثير غبار أيّام صارخة هزّتني بقوّة، نخرت عظميّ، لكنّها على أيّة حال صنعت منّي رجلاً· أضاءت لي خطواتي نحو الشّمس·
 
تُرى بأيّ كلمات سأستقبل أبي وزوجته وأبناءه الجدد؟ أيّ دمع سأخبئه؟ كيف سألوِّن الكلمات الباهتة التي أشعر بألوان زاهية تناسب مقام الأبوّة؟
 
لم أحفظ ملامح أبي· فقد تركَنا وأنا في صفّي السّادس· صورته في خيالي مرتعشة· كنتُ أحاول التحدّيق أكثر وأكثر في تلك الصّورة القابعة في أبعد نقطة من شطْر دماغي· أجمع ملامحه المتناثرة، عينين بلون أزرق، أنف مُسَمسَم دقيق، شعر مسترسِل وكأنّ الماء يقطُر منه وبشَرة صهباء مليئة بالنّمش· كلّ تلك الملاح حاضرة لكنّها متفرقة· لم أستطع أن ألملمها فقد كانت أشتاتًا يستحيل أن تُجمع في صورة واحدة مع أنّي أمضيت وقتًا طويلاً في جمع شتاتها المتَّقد إلاّ أنّها كانت تتحوّل إلى غبار فجأة· تُرى هل سأتعرّف عليه بسرعة ولم تصلنا منه لا صورة ولا قرش واحد طوال السّبعة عشر عامًا التي قضاها في البرازيل؟ أم سأكون مثله أضعْتُ البوصلة؟!! لكنّني ما زلت أذكر أنّه كان سيّد رجال القرية ومختارها ورِث المخترة عن أبيه وأمضى وقتًا طويلاً في حفظ القرآن الكريم وقصص الزّير سالم، كان حنونًا وعلى البنات بالذّات فعندما جاء بعض الأقارب يريدون أن يزوّجوا أختي عائشة لأحدهم ولم تكن راضية وقامت أمّي ووضعت الشّاشة البيضاء خاصّتها برقبة والدي وقالت له:
 
- الخطيّة برقبتك لا تكسّر خاطر هالبنت وتْجوزها لواحد ما بطِّيقه· استجاب والدي لطلب أمّي فورًا·

الصفحات