أنت هنا

قراءة كتاب رب إني وضعتها أنثى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رب إني وضعتها أنثى

رب إني وضعتها أنثى

رواية "رب إني وضعتها أنثى" للكاتبة نردين أبو نبعة، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تأخذك إلى شاطئ غزة المحاصرة لتحكي للقارئ من هناك وعلى لسان ثلاث أبطال يتناوبون السرد ..

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 10
كان أبي مناضلاً شرسًا ضد الإنجليز قبل أن يُسلِّموا بلادنا إلى اليهود· وعندما سجن في سجن جنيد في نابلس ذهب ابن عمّي لزيارته وقد تعاظم لديه شعور الفخر بعمّه المناضل لدرجة أنّه عاد إلى أبيه لائمًا···
 
- لماذا لا تكون مناضلاً كعمّي مطر؟
 
ردّ عليه:
 
- إنيّ أُمدّ الثّوار بالمال لشراء الأسلحة فالمقاومة لها أشكال وصور، وعمّك مطر يقاوم بجسده وأنا أقاوم بمالي فسكت ابن عمّي على مضض·
 
كان ذلك في مطلع الأربعينيّات من القرن الماضي· بعد ذلك بزمن أيّ في الخمسينيّات سافر العديد من أقارب أبي وأبناء عمومته إلى البرازيل وسافر أبي وراءهم·
 
وهكذا كان مختار القرية الوجيه الوسيم المثقّف المناضل المشهور بصدقه وإصلاحه بين النّاس وصداقاته الممتدّة من شمال فلسطين إلى جنوبها، فقد كان له شهر سياحة واستجمام في كلّ سنة يتجول فيها من قرية إلى قرية ليزور أصدقاءه الكُثر وكانت عبارته المشهورة: اجعل لك في كلّ قرية جامعًا·· يقصد اجعل في كلّ قرية صديقاً·
 
أقول كان أبي الرقراق الوسيم سببًا في سقي أمّي السمّ!! سمّ ليس له رقية ولا دواء· كان سببًا في عذابها، وجرحها وهي السّمراء النّحيلة المتوسطة الجمال الأكبر منه بعامين· كان سببًا في إشعال ضلوعها بحريق سيطول ويطول· ذلك الرّجل الذي سافر في ليلة ما فيها ضو قمر إلى البرازيل مخلّفاً وراءه زوجة وخمسة أطفال وليس في البيت سوى عشرة كيلو طحين·
 
لاحقًا سأعرف من (دونا آنا أوليفرا) أنّ أبي عندما تزوّجها قال لها أنّه أرمل وهو صادق في ذلك لأنّه أرمل في البرازيل (زوجته سيسليا كانت قد توفّيت بعدما أنجبت له طفلين: جميل وجمال)، وعندما اكتشفتْ حقيقة أمره وأنّه متزوّج من البلاد وطلبت أن يرسل نقوداً إلى أولاده، قال لها: هؤلاء أغنياء ويدوسون على السّجّاد ولا يحتاجون سوى الملح والسُّكّر فكلّ شيء متوفّر وموجود· ولما رجعت >دونا آنا< إلى الزّاوية ووقعت على الأحجار وانكسرت يدها قالت ساخرة وهي (تَرطِن) برازيليّ (هذا هو السّجّاد الذي حدّثني عنه الحاج مطر) وإذا به يقصد بالسّجّاد التبن على البيدر·
 
سبعة عشر عامًا متواصلة خالية من الرّسائل إلاّ ما ندر· كانت هذه الأعوام كافية كي تتعلّم أمّي كيف تُطعمنا وتهدهدنا وتفتح ذراعيها كلّ مساء للصبية الصّغار؛ تغنّي لهم وتطرز بدمعها السخي قصّة عودة الغائب·
 
مع كلّ هذا الغياب فقد أتقنت كيف تجعل غيابه بردًا وسلامًا علينا· كانت كلماتها عنه تشُفّ عن صدر مليء بالورد وبالود!!!
 
عندما سألتها ذات مرة:
 
- هل تحقدين على أبي وقد تركك مع خمسة أطفال بلا مال ولا معيل؟
 
- قالت: إنّ أباك سيّد الرجال، لا يوجد رجل مثله أبدًا، لم أسمع منه يومًا كلمة تكسّر خاطري، لم يسبّني·· لم يشتمني· لا أتذكّر أنّه قال لي يا مايْلِة تْعَدَّلي·
 
كانت بكلماتها تخطّ في قلوبنا شوقًا وشعاع أمل بلقياه· لكنّنا ونحن الصّغار وببصيرتنا ودقّة أجهزة الاستقبال لدينا، كنّا ندرك ما خفي عن أسماعنا، فما حسبناه نهرًا فراتًا في قلبها يتحوّل في لحظات سُهادها إلى مِلح أُجاج؛ عندما أصحو في منتصف الليل فجأة لأرى عيونًا قد أعياها الأرق· دموعًا تحاول أن تصبغها بصبغة رضا· لكنّ أنّى··!!
 
من تخسر زوجًا تفقد شراعها· فإذا ما هبّت ريح الفقر تمايلت بها الأمواج· هل هذا صحيح؟

الصفحات