"في البال" للكاتبة الأردنية غصون رحال؛ تتناول فيها العدوان الصهيوني على غزة من منظور أدبي؛ ففي أسلوب سردي مشوق، تضع الأدبية كل خبراتها المعرفية والجمالية والإبداعية للكشف عن مسيرة طويلة من محطات الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال إستعراض تفاصيل الحياة اليومي
أنت هنا
قراءة كتاب في البال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
(1)
تعالي فما زال لون السحاب
حزيناً··· يذكّرني بالرحيل
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
ونصبح بالأرجوان شراعاً وراء المدى
وننسى الغدا·
بدر شاكر السيّاب
وراء الباب، ليل يذوي بصمت·
في الخارج، مطر يطرق زجاج النافذة بعنف، وريح هوجاء تصرّ على النفاذ عبر شقوقه الجانبية مثبتة حضورها·
في الجو، رائحة رطوبة لزجة ترشح من ثنايا الجدار·
في الركن، مصباح معدني طويل يسعل ضوؤه العليل، فتتراقص فوق جدران الحجرة البيض خيالات شاحبة، مسبغة على المشهد حسّاً جنائزياً مبكراً·
فوق السرير، يسترخي جسدها نصف حيّ، نصف ميت!
الحرام الصوفيّ المرقّط يلفّها بوبره الغزير، مغيباً ما تبقى من معالم الجسد المغيبة أصلاً، ورأسها الحليق يختفي تحت قبّعة قطنية ناعمة لا تفارقه ليلاً أو نهاراً·
عيناي تلتقطان مشهدين متعاكسين· عين على شاشة التلفزيون، وعين على وجهها الشاحب، يطلّ من مرآة طاولة الزينة المقابلة للسرير· الشاشة التي لا ترحم تواصل قصفنا بأخبار الموت، والفسفور الأبيض· دويّ القنابل الهادر دون انقطاع منذ يومين، موصلاً الليل بالنهار، ينذر بمجزرة محققة، بمذبحة فاخرة تعتزم احتلال أروقة الفضاء لزمن غير معلوم··· أوركسترا من آلات القتل والدمار تعزف، براً وبحراً وجواً، سيمفونية الموت المدنّس·
تلتقط بيدها الواهنة جهاز التحكم عن بعد، وتضغط على أزراره متجوّلة ما بين القنوات الفضائية·
قناة الجزيرة تبث صورا لبيوت متهالكة، وأجساد ممزقة··· زووم إن، ويظهر وجه طفل مغطى بالدماء فوق نقّالة يحملها رجال الإسعاف· زووم أوت، ويظهر بيت يلتصق بالأرض وامرأة تولول فوق أنقاضه···
نيتانياهو، وباراك، وليفني يعقدون اجتماعاً مصغّراً وهم يتبادلون الابتسامات على قناة CNN
خبر عاجل على شاشة العربية: حزب الليكود يتصدر قائمة استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات القادمة·
وزيرة الخارجية تسيبي ليفني تطل على شاشة BBC، في بث محموم للمؤتمر الصحفي الذي عقدته برفقة وزير الخارجية المصري من قلب القاهرة قبل أيام قليلة، معلنة بحزم: لن تتهاون حكومة اسرائيل مع صواريخ حماس بعد اليوم··· Enoght is enough
أطفأتُ أنوار تلك الشاشة اللعينة، إلا أنها أصرّت على أن تعيد إليها بريقها المحموم، متذرّعة بأنها تريد أن تتفقد الشهداء، وتحفظ أسماء المنكوبين، على الرغم من علمها التام أن الشهداء والمنكوبين لا أسماء لهم، فقد تحولوا إلى مجرد أرقام تحتلّ الشريط المتحرك في أسفل الشاشة، تتكاثر بصمت وتصميم لا يردعه إلا موت مماثل!


