أنت هنا

قراءة كتاب صدى الزور البعيد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صدى الزور البعيد

صدى الزور البعيد

في رواية "صدى الزور البعيد"؛ هل يكون العالم الذي نعيش فيه جزءاً من عالم أكبر؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
-4-
 
من يذكر تلك الأيام، فإنه سيذكر سنة الجراد، سنة الماسيس(1): ما يره فورتوتيس باجانومين(2)· وسيذكر أيضاً هالة القمر·
 
فبعد أيام من بناء السدة·· ومن هالة القمر، أخذ النهر يرتفع ويعلو، ولاحظ جاسر في أول يوم أن النهر قد ارتفع عن الضفة، ولامس قاعدة السدة· قال له أبوه بينما كان جالساً فوق السدة ينظر إلى النهر بتحد: يعني دأبه يصل إلى نصف بدنة السدة، وما يتجاوزها يا جاسر· لكن النهر في اليومين التاليين اتسع أكثر، وأخذت المياه تتصاعد· وفي عصر اليوم الثالث، بلغت المياه نصف قامة السدة، وراحت تتمرغ وتتلوى، ترتطم بجدارها دون هوادة· ظلت تصعد كل يوم، حتى اليوم الذي بلغت فيه ذرى السدة، ونشأت تتجوز قممها باضطراب· ومن بعيد رأى جاسر الرحبي أن لون المياه أخذ يتغير، وبدأ النهر يحمل في أحشائه الغثاء والمغرة، جذعان الشجر، وبين الفينة والأخرى تمر من جانبهم قطع الخشب، أو أثاث يحمل في جوانيته الدمار الذي حل، قبل هذه المسافة، وامتلأ البستان بـروث البقر، والطمي·· ثم جاء الهلاك·ماسيس لم يبعث الطمي والمغرة··· كانـت تـمر من أمامهم مفاجآت الهلاك مسرعة· أجساد لحيوانات منتفخة، شـدف الخشب المحترق، آواني مهشـمة، أدوات المطابخ، القدور وفدادين الحراثة، سقوف البيوت، الأفنية، الجدران والأروقة، ساحات اللعب والدروب، السمك بأعين جاحظة، أجساد وأرواح ميتة، أصابع بخور وأثواب زفاف، اللعنة ثم الأغلال الممسوحة(3)·· وكان يرسل كل الذين فروا بأرواحهم عبر الحدود···
 
وكان اليوم السادس، فوصلت المياه إلى جذع شجرة زايد· استيقظت هدلة مضطرمة، قبل أن يرفع أحمد الذيب أذان الفجر، فتوجست أن المياه تدنو، وصوت دوامانها قريب من أذن منصتة خلف جدار، كما أن النداء يأتي من السقف أو من الناحية الأخرى· خمنت وعيناها ما زالتا تتحسسان اليقظة، أن الأمواه الراكضة سوف تسيل عليها من نافذة السقف المغطاة بحجر الطوب، ستدخل من السجوف أو من تلك الأنحاء التي تتسلل منها أشـعة الشمس، من الفتحات العميقة في قلبها· أرادت هدلة أن تنهض، لقد استيقظت، حاولت أن ترفع عنها اللحاف الصوفي، تبتعد عن أبي محمد·تلمس الأرض بأطراف أقدامها السريعة، فتحت الباب المغلق، ولم تدرك مسامعها أن محمد في نومه يستنطق الهواء النائم· مضت مشدودة إلى الحائط المطل على النهر، ووقفت هناك تستجلي الظلمة· استطاعت أن تميز شجرة زايد في الظلمة، لكنها لم تستطع أن تدرك: أين الظلام وأين الماء ؟ كان العالم ظلمة وماءً، حفيف ثـقيل لأوراق تشربت الخراب· وكان النهر يحمل على سطحه يباس الأيام الماضية· إن الأيام الموغلةتجلت في لحظات جعلت هدلة تتوهم أن النهر لا ينسى أبداً ما حل في هذا العالم، يعرض مرسحه الكبير قبل دقائق من صلاة الفجر، أمام عينيها، في الظلمة ومن وراء الجدار المطل على الهواء والريح·
 
في تلك الساعة، ساعة السحر، أطل محمد الرحبي، بنفس الهاجس، على العالم ثانية· رأى هدلة من فرجة الباب المفتوح، في ثوبها الخمري ملقى على جسدها اللدن، شعرها المشوش خلف ظهرها المستوي· وراح يقترب منها بسرانية، فاستمع بحنين إلى رائحتها البرية، كما رأى بكلتا عينيه بحة الصباح، طارت من صدرها الواسع· في الصباح قال: يا هدلة اشوف النهر يريد يطوف· تراه يا بني أخذ يدك الشجرة· قالت: اسمع· قالت: باكر الغوالة تصل للحوش· قالت: اسمع، تدك شجرة الزايد· فخرجت سمكتان شاحبتان من النهر ثم قمستا ثانية في بطنه، انتفخ حلق محمد غضباً·
 
بداية النهار كانت بطيئة، حملت الترقب والفزع، فبين الحين والآخر يعود جاسر راكضاً ليقول، إن الماء لم يهدأ بعد، وهو يرتفع، سيصل شجرة زايد ( يا أمي ) - انظري ان السحاب ينز - فتقول له أمه: ما شأن السماء ؟ إن الأمر في الأرض· وصاح أبوه:اخفض عينيك·· قال: تبكي مثل البنية· فنظر إلى السماء ونظر إلى الماء، وكان أبوه يظن أن جاسر ينظر إلى الماء وأن الماء يهم في الدخول إلى الأرض·
 
/سيغمر· من فوق السد نظر إلى الألسنة الثمانية، قبلها كانت عيناه تجولان في عينيها زورقي سماء، فنظرا إلى ألسنة التنين تصطاد الزور، مساماتها تخللت في مساماته، فجذبته وجذبها، وابتعدا··فالطمي سيغمر السد، لسنين طويلة قادمة·/
 
والفكرة التي دارت في خلجات محمدقبل أيام، استيقظت اليوم وتوهجت· عيناه الدمويتان: عيناه الدمويتان لأن الدماء كانت كثيرة وسارحة كالغنم في أرض الخليقة، لذا عيناه الدمويتان، كانتا تنظران إلى المشهد غاضبتين· وعند الظهيرة أدرك الأب ما يفكر فيه الابن، فأعطاه عينيه بينما كان يدرج لفافته قائلاً: يكفينا·· مشكلات، محمد· فرد عليه: يا با تراني ما أقبل الظلم·· فرد أبوه: وحده الله يا ابني يمسك الماء·· وما نريد مشكلات·

الصفحات