أنت هنا

قراءة كتاب يوميات امرأة محاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوميات امرأة محاصرة

يوميات امرأة محاصرة

تدهشنا القاصّة الفلسطينية سما حسن مرة أخرى بمجموعتها القصصية (يوميات امرأة محاصرة) الصادرة في أواخر كانون الثاني-يناير 2012عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتأتي المجموعة  لافتة شكلا ومضمونا، فعنوان المجموعة(يوميات امرأة محاصرة)يدعو الى التفكر والتفكي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 5
وكأنني قلت له إنه قد فُصل إجحافاً من عمله أو أن أعز عزيز لديه قد مات، فقد انتفض في الفراش وغادر السرير في الحال، وشرع يسألني وأنا أتشاغل عن النظر في عينيه حتى لا يفضحني كذبي، أردّ عليه ببرود قاتل! وأخيراً استسلم للأمر وجلس إلى مائدة الإفطار دون أن يحتضنها. ولكنه بدأ في احتضان المكان بطريقة مقرفة وكأنه يعانق عدواً وهو مضطر إلى عناقه ومجاملته، وبدأ في إلقاء ملاحظاته النارية:
 
- ألا تلاحظين معي أن وزنك قد ازداد؟
 
ولماذا تضعين مائدة الطعام في مواجهة الشرفة؟ أشعر كأنني أتناول الطعام في الشارع!
 
ولماذا سلقت البيض؟ أنت تعرفين أنني أفضّله مقلياً بالسمن كما كانت تفعل أمي رحمها الله.
 
ابتلعت لساني ولم أردّ، وكوّرت ردودي كجورب متّسخ في زاوية من عقلي، وزني ثابت منذ عام، وأضع مائدة الطعام في المكان نفسه منذ انتقلنا لهذا البيت، ومنذ تزوجنا وأنا أعدّ له على الإفطار بيضاً مسلوقاً!
 
خرج إلى عمله وكأنه في طريقه إلى سرادق عزاء، أما أنا فقد أغلقت الباب عليّ وعلى فرحتي بالوحدة والحرية وطلاق الضرة رغم ملاحظاته التي قررت أن أتناساها حتى لا أفسد خطتي الساذجة، وانتظرت عودته بفارغ الصبر..
 
وحين عاد بعد غياب ساعات، لم يلحظ تصفيف شعري ولا عطري ولا ماكياجي ولا حتى باقة الورود التي تتوسط مائدة الطعام، بل بحث بعينيه عنها وسأل في أمل:
 
- ألم يأت موزع الصحف اللعين بعد خروجي ليحضر الجريدة؟
 
أجبت بالنفي وأنا أدير رأسي يمنة ويسرة ليرى الماكياج على وجهي بالكامل، ويشمّ العطر ويلمح تصفيف شعري من الخلف، ولكنه خيّب رجائي وأفسد كلّ تعبي وأدار مفتاح التلفاز ودفن رأسه في أول قناة واجهته، وكنت أنتظر موعد مسلسلي اليومي المفضل، وهو لم يكف حتى أثناء الغداء عن الانغماس في الشاشة حتى اعتقدت أن الطعام أصبح داخلها لا على المائدة، وحين ألمحت له أنني أنتظر الحلقة الأخيرة من مسلسلي الذي أتابعه ثار وهاج وأخذ يتهمني والنساء بقلّة العقل وفراغ البال، ثم نهض وبدأ يتجول في أنحاء البيت جولة تفقدية لم تحدث من قبل، وبدأ يسأل عن أشياء ولّى زمانها مثل سجادة قديمة تبرعت بها لجيراننا الفقراء فإذا به يتذكرها فجأة ويدّعي أنها من أيام البلاد، همست لنفسي وهل كان أيام البلاد، أي قبل نكبة فلسطين، هناك سجاد من هذا النوع؟! ثم قرر أن يصعد إلى سطح البيت فتنفست الصعداء، ولكن ما هي إلا دقائق حتى سمعته يتناقش مع جارنا ويرتفع مستوى النقاش إلى مرتبة الصراخ، ودخلا في غمار السياسة والحديث عنها ليكتشف ما أعرفه من سنين أن جارنا يؤيد فصيلاً سياسياً لا يؤيده زوجي، ولولا تدخل جار ثالث من الجهة المقابلة لحمي وطيس المناقشة إلى معركة لا تحمد عقباها، ولم يلبث أن عاد إلى البيت هبوطاً وهو يرغي ويزبد، وتلفت حوله في البيت بحثاً عن شيء يشغل به وقته، تخيلت جلسته في الصالة الواسعة كمفتش الجمارك في المطار، الذي يبحث عن مخالفة.

الصفحات