أنت هنا

قراءة كتاب يوميات امرأة محاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوميات امرأة محاصرة

يوميات امرأة محاصرة

تدهشنا القاصّة الفلسطينية سما حسن مرة أخرى بمجموعتها القصصية (يوميات امرأة محاصرة) الصادرة في أواخر كانون الثاني-يناير 2012عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتأتي المجموعة  لافتة شكلا ومضمونا، فعنوان المجموعة(يوميات امرأة محاصرة)يدعو الى التفكر والتفكي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 7
حلـمٌ واحـد
 
جلس قبالة جدته العجوز، يتأمل يديها المعرورقتين، يمعن النظر في عروقهما الزرقاء البارزة وكأنه يرى في هذه العروق طرقا ومسالك ودروبا حدثته جدته عنها في الأوقات التي كانت تخرج فيها أمه إلى مركز توزيع المعونات التابع للأونروا لتسأل عن موعد تسلّم مخصصاتهم التموينية، تحدثه الجدة وهي تمط في حروفها لتشوقه أكثر عن القرية التي هجروا منها، عن الأرض والدونمات والخير والحب الذي كان، وكان هو يسرح بخياله الصغير معتقدا أن جدته تحتفظ بخارطة هذا المكان على معالم يديها، مجتازا السقف القرميدي محلقا في فضاء بعيد، كل هذا يحدث في الوقت الذي كانت أمه تذهب وهي تحمل أحلامها بأنها ستبيع العدس والأرز وستشتري بثمنهما البيض والسمن، وستحاول أن تبقي مبلغا لمصروفه اليومي، هو لم يذهب بعد إلى المدرسة، ولكنه سيذهب في العام القادم، من الصعب عليه أن يفرق بين الأوراق العادية وبين الأوراق النقدية، لذا فقد فرح فرحا عظيما حين اشترى بنصف شيكل منحته إياه جارتهم الثرية وهي تعرج على جدته لتطلب منها أن تلقط "الخوفة" لطفلها الرضيع، طار بالنصف شيكل إلى دكان البقال القريب واشترى حلوى مغلفة بألوان زاهية، حين فتحها بأصابع متعجلة وهو يحث الخطى للبيت وجد بداخلها قطعة حلوى صغيرة والقطعة قد لفت بورقة كتبت عليها رموز وأرقام، طار هذه المرة بالورقة لجدته التي ما إن رأتها حتى صاحت: هذه يا بني عملة أجنبية، نعم عملة أجنبية، نظرت جيدا بأن قربتها من عينيها وهي تضيق إحدى العينين وتوسع الأخرى، فقد كان نظرها ضعيفا وقالت لتؤكد فرحة: نعم إنها عملة أجنبية بالتأكيد، لم تسأله من أين حصل عليها ولكنها اعتقدت أنه قد عثر عليها في الطريق، فحدثت نفسها: ستكون مفاجأة لزوجة ابني، سوف أعطيها لها وستكون حتما كافية لشراء أنبوبة غاز من تلك الأنابيب التي تسمع أنه يتم تهريبها عبر الأنفاق إلى غزة التي أصبحت تمتلئ بيوتها برائحة الكاز والكيروسين.
 
الجدة العجوز لم تنقل فرحتها سريعا للأم العائدة وقد نال منها التعب والإنهاك بل أخذت تستطلع منها الأمر حيث قالت الأم: الزحام يا عمتي كان شديدا، وقفت لساعات في الطابور حتى وصلت إلى الشباك حيث قام الموظف بوضع الختم الأزرق على بطاقة الإعاشة، وقال لي: موعد تسلّمك لمخصصاتكم بعد ثلاثة أيام، أي في اليوم الأول من العام الجديد، سيكون علينا الانتظار ثلاثة أيام، كنت أعتقد أني سأشتري كرتونة بيض وأسلق كل يوم منها ثلاث بيضات لإفطارنا، تنهدت وهي تعيد ربط ايشاربها فوق رأسها: الله يرحمك يا أبا بلال، تركتني وحيدة في الدنيا، ونظرت إلى الجدة التي كانت تبدو سارحة في عالم آخر، كانت تعلم جيداً العالم الذي تسرح فيه الجدة، وأحياناً تشعر بالنقمة عليها لأنها علمتها أن تسافر بخيالها في هذا العالم، حين تتحدث عن البيض فتقول الجدة: كان عندي البيض بالهيل ولما أزور حد كنت أهديه بيض بلدي كبير وكله صحة، وكل يوم كنت أقلي بيض للحاج بزيت الزيتون، بتكون البيضات هيك عايمات في الزيت زي البط ما بيعوم في المي… أما اليوم فهي لاقت الكثير من العذاب فسرحت في الماضي القريب قليلا فأخذتها الذكريات إلى يوم استشهاد زوجها وقد كان ابنها بلال جنينا في رحمها ولم يمض على زواجها سوى أربعة أشهر، ثم سرحت بأفكار جديدة: ماذا لو بقي زوجها على قيد الحياة، هل كانت تعيش هذا الذل؟ هل كانت ستضطر للركض من باب مؤسسة إلى باب جمعية إلى باب مركز الأونروا؟

الصفحات