تدهشنا القاصّة الفلسطينية سما حسن مرة أخرى بمجموعتها القصصية (يوميات امرأة محاصرة) الصادرة في أواخر كانون الثاني-يناير 2012عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتأتي المجموعة لافتة شكلا ومضمونا، فعنوان المجموعة(يوميات امرأة محاصرة)يدعو الى التفكر والتفكي
أنت هنا
قراءة كتاب يوميات امرأة محاصرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
أما الجدة القابضة بيدها على الورقة، فكانت تتذكر تلك الأيام قبل أن يستقر بهم المقام في غزة، تتذكر الأرض التي كان يملكها زوجها والتي كان يعتز بها كل الاعتزاز لدرجة أنه حين كان يقسم بالله ليؤكد أمرا ما فإنه يتبع القسم بقسم آخر، كان يقسم بالأرض التي يملكها ويحبها، لم يكن يقول وحياة أولادي، بل كان يقول: وحياة أرضي اللي أغلى من عرضي...
وظل يقسم بهذا القسم حتى جاء اليوم الذي رحل به عن الأرض واستقر في خيمة لجوء، أصبح صامتا كتمثال، واجما لا ينظر شمالا ولا جنوبا بل ينظر إلى الأرض، مطرقا ساهما حتى كان ذلك اليوم، حين طالت إطراقته على الأرض فاقتربت منه لتهزه وتخبره أنها قد أعدت الطعام لتجده بلا حراك ووقع جسده على الأرض وإلى جواره استقرت عصاه الخشبية التي كان يغرزها في أرضه ويعلق عليها قمبازه.
ووصلت بها الأفكار إلى ابنها فتذكرت أنه عمل فترة في داخل إسرائيل وكان يدخر بعض المال، وريقات خضراء كان لها اسم صعب على لسانها ولكنها حين رأت هذه الورقة في يد حفيدها تذكرت هذه الوريقات التي ادخرها ابنها والتي لم تكفهم لعام واحد بعد استشهاده، فرحتها بهذه الورقة كانت عظيمة وهي تتخيل أن أحد المحسنين قد وضعها في يد الطفل الصغير، وأجلت الحديث عنها حتى ترتاح الأم العائدة من رحلة شاقة، نظرت إلى أرملة ابنها، كانت ما تزال جميلة شابة وان كان قد نال منها التعب والفقر، هالات سوداء تحت عينيها، وشعرها يبدو بين خصلاته السوداء شعرات بيضاء نافرة، تبرز من تحت ايشاربها منسول الأطراف.
في ركن الغرفة القرميدية كان يجلس الطفل الصغير ينظر إلى يد جدته العجوز المطبقة على الورقة النقدية، يتطلع إلى شفتيها وكأنه يستحثها على الحديث، كم ستسعد أمه حين ترى هذه الورقة الثمينة، حتما ستشتري أنبوبة غاز وسوف ترتاح من إشعال موقد الكاز الذي تملأ رائحته غرفتهم الوحيدة، وستشفى يداها من غسل الأواني الملوثة بالسناج والهباب الأسود.
أنبوبة غاز، همممم، حرك شفتيه استمتاعاً، تخيل فرحة أمه، ونظر إلى عروق يدي جدته، نعم هذه العروق هي خارطة الطريق إلى قرية جدته التي حدثته عنها، لو يذهب مع جدته إلى تلك القرية، سوف يكون صاحب أرض بدلا من هذا البيت الحقير، وسوف يلعب ويلهو كما يحب، وسيحبه أطفال الحي ويحترمونه كما يحبون أبناء جارتهم الثرية التي جاءت منذ قليل عند جدته، جدته دائما تقول له: لو بقينا في أرضنا لكنت أنت أكثر ثراء من زوج هذه المرأة الثرية والبخيلة والتي لا تمنحك وأنت يتيم الأب سوى نصف شيكل، مع أني قد قمت بـ "لقطة الخوفة" لابنها مستخدمة زيت الزيتون، وأعدت ذلك مراراً….