أنت هنا

قراءة كتاب يوميات امرأة محاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوميات امرأة محاصرة

يوميات امرأة محاصرة

تدهشنا القاصّة الفلسطينية سما حسن مرة أخرى بمجموعتها القصصية (يوميات امرأة محاصرة) الصادرة في أواخر كانون الثاني-يناير 2012عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتأتي المجموعة  لافتة شكلا ومضمونا، فعنوان المجموعة(يوميات امرأة محاصرة)يدعو الى التفكر والتفكي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 10
عبيط المخيّم
 
أدمنت في فترة مراهقتي، التي عشتها في فترة انتفاضة الحجارة، على مشاهدة الأفلام العربية القديمة التي تحمل اللونين الأبيض والأسود، وكنت أعزف عن مشاهدة الأفلام الملونة، ربما لأن بداخلي أشياء كثيرة تناديني نحو الماضي غير البعيد، فقد كنت ما زلت في منتصف عقدي الثاني من العمر، ولكن هذا الإحساس تعمق بداخلي لكوني فلسطينية يجب أن أتمسك بماضٍ أخاله كان سعيداً، لأن الحاضر مؤلم، والمستقبل مظلم، فما بالي لا أعود إلى هذا الماضي غير البعيد، وأنا أحمل في كل أوراقي لقب لاجئة.
 
كنت عندما أشاهد الأفلام المصرية القديمة التي تصوّر أجواء القرية البسيطة ألاحظ القاسم المشترك في معظم هذه الأفلام وهو "عبيط القرية" الذي يظهر ويختفي ولا يثير الانتباه إلا في اللقطات الأخيرة من الفيلم حين يكتشف المشاهد أنه رجل شرير يقود عصابة لنهب البسطاء ويتنكّر تحت هذا المسمى "العبيط" الذي يسمح له بأن يجوب القرية ركناً ركناً وزاويةً زاوية، ويدخل بيوتها ويعرف أخبارها، وأحياناً كنت أكتشف أن العبيط هو رجل طيب ينقذ البطلة التي عشقها في صمت ويضحّى بحياته من أجلها وتبكيه بلوعة وعرفان بالجميل ويسدل الستار على نهاية الفيلم حين تتركه البطلة جثّة هامدة على قارعة الطريق وتمضي مع حبيبها.
 
كلما شاهدت فيلماً عن عبيط القرية الذي كان نوعاً من التوابل الشرقية التي تشهي معظم الأفلام القديمة، كنت أجترّ ذاكرتي التي هي ليست بالمحشوة، أجترّها لكي أتذكر عبيط المخيم.
 
كنت طفلة لم تدخل المدرسة حين درجت قدماي على تراب مخيم اللجوء، ولكني كنت طفلة ذكية، وكلّ جسمي الصغير كان عينين. عينان فقط تسجّلان وترصدان كلّ ما تقعان عليه وكلّ ما لم يره غيرهما، ولكني كنت أشعر منذ طفولتي أن الله قد وهبني أكثر من هذين المحجرين اللذين يحتلان ما تحت جبهتي وفي مقدمة وجهي.
 
واجتررت ذكرياتي ذات مساء أمام شاشة التلفاز وأنا اسمع من بعيد صوت مكبر الصوت الذي يعلن بلهجة عربية ركيكة عن رفع حظر التجوال عن سائر المدينة لساعات ليسمح للمواطنين بالتزود بالطعام.
 
عدت إلى وجه ذلك الرجل المخيف، كان عملاقاً، ضخماً، مخيفاً ذا رائحة مقزّزة، وبملابس لا توصف إلا بالأسمال، أظافره طويلة متّسخة تبدو أقرب للمخالب من أن تكون أظافر بشرية.
 
كان يحط رحاله وهو يحمل عصا غليظة ويعلق في رقبته كيساً قماشياً ضخماً ومرقّعاً لا أعرف ماذا يضع فيه، ولكنني كنت أخمّن ولا أراه يخرج منه شيئاً ولكنه يدسّ فيه الكثير من الأشياء.

الصفحات