تعدُّ رحلة بيدرو تيخيرا (المعروف خطأً باسم تكسيرا أو تاكسيرا) إحدى أهم الرحلات التي شهدها الشرق عموماً، والعراق خصوصاً، في مطلع القرن السابع عشر، وهي أول رحلة معروفة لرحّالة برتغالي في العصر الحديث بحد علمنا· ومع أن عدداً كبيراً من الرحلات الأجنبية وجدت طري
أنت هنا
قراءة كتاب رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب
الصفحة رقم: 2
نبذة عن الرحّالة بيدرو تيخيرا
ولد الرحّالة في مدينة لشبونة البرتغالية، ولكن تاريخ ولادته ووفاته لا يزال غير مؤكد، مع أن بعض المؤرخين يحددون ولادته بسنة (1570)(1)· ومعرفتنا بالحياة المبكرة لهذا الرحّالة لا تزال مشوبةً بالغموض، ولكن معلوماتنا بدأت تنتظم عنه منذ سنة (1586) فصاعداً· ففي تلك السنة، حينما كان في السادسة عشرة من عمره، أو نحو ذلك، وصل إلى مدينة غوا الهندية التي كانت خاضعةً للبرتغاليين آنذاك، وبقي فيها ست سنوات· وبين السنوات (1598-1600) كان في ملقا· وبعدها، بين (1601-1605) بدأ رحلته الطويلة لاستعادة أمواله من أحد رفاقه في الهند، وهي الرحلة التي تشكّل الجزء الأعظم من كتابه، وسافر خلالها من البرتغال إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح، ومن الهند إلى ايطاليا عبر بلاد فارس والعراق وبلاد الشام· وبينما دوَّن لنا تفاصيل رحلته البرية من الهند إلى ايطاليا، فإن تفاصيل رحلته البحرية من البرتغال إلى الهند لا تزال مجهولةً ولم تدوَّن· وليس لدينا أية تفاصيل عن حياته الشخصية وعن سيرته اللاحقة سوى ما ذكره بنفسه في كتاب رحلاته هذا·
أما عن عقيدته، فيذكر الدكتور ماير كايسرلنغ (1829-1905) في مقدمته لكتاب إسرائيل جوزيف بنيامين(2)، المعنون ثمان سنوات في آسيا وأفريقيا، أن بيدرو تيخيرا ينتسب إلى إحدى العائلات اليهودية البرتغالية التي لم تجرؤ على الإفصاح عن دينها علناً، أو تلقن أبناءها دين آبائهم· وعلى الرغم من أنه ولد لأبوين يهوديين، ربما كانا يعيشان في لشبونة، فيمكن ملاحظة نزعته الدينية القوية في كل صفحة من صفحات كتابه تقريباً· ويقول الدكتور كايسرلنغ: إلا أننا لا نزال نعتقد أن بمقدورنا الاستدلال، من خلال سرده للأحداث أنه كان مسيحياً، بل وحتى كاثوليكياًَ متزمتاً خلال الشطر الأكبر من حياته الذي قضاه في رحلاته قبل وصوله إلى أنتويرب(3)· ولكن يبدو أن هذا الاعتقاد ليس في محله· فمن خلال بعض المصادر والإشارات التاريخية المتعددة التي وردت في كتاب رحلته يتضح لنا أنه كان يهودياً، وإن لم يكن متعصباً، أو أنه لم يُظهر تعصبه لدينه· فقد ذكر المؤرخ الإسباني دون أدولفو دي كاسترو، في كتابه المعنون يهود إسبانيا، أن بيدرو تيخيرا كان يهودياً(4)، في حين ذكر البروفيسور سدني مندلسون، في كتابه المعنون يهود آسيا أنه من مارانوس البرتغال(5)· ويؤيد هذا القول ما ورد من إشارات متعددة في كتاب رحلته· فمع أن تيخيرا لم يُشِر، أو حتى لم يلمح، عن دينه أثناء حديثه طوال رحلته، إلا أن ثمّة إشارات متعددةً عن اليهود في كتابه· فأثناء رحلته يذكر أن أهل مشهد علي يمقتون اليهود والمسيحيين أشد المقت، فلا يستطيعون السكن بينهم· وينطبق الأمر ذاته على أهل مشهد الحسين الذين قال عنهم أنهم يكنّون حقداً شديداً تجاه كل الأديان الأخرى، سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً، ولا يعيش أيّ منهم في هذه الأرض· وإذا ما مرّ أحد بالصدفة خلالها، فإنهم ينظرون إليه شزراً· وباتجاه بغداد، يتحدث عن مشاهدته بناءً ضخماً ذا برجٍ عالٍ، حيث ضريح وجثمان النبي حزقيال، الذي يتمتع بقدسية كبيرة بين المسلمين واليهود بسبب الكرامات التي حباه الله بها· فضلاً عن ذلك، فإنه استخدم وسيطاً اسمه مصطفى، وهو يهودي اعتنق الإسلام، وكان موضع ثقة البرتغاليين والبنادقة على حدٍّ سواء، إذ كانوا يعتمدون عليه في شؤونهم التجارية والمالية، ورتّب معه مسألة رحلته إلى بغداد· كما شاهد في الكوفة (التي يسميها مشهد علي) شارعاً طويلاً مليئاً بصاغة الذهب والفضة، كلهم من المسلمين الذين يقول عنهم أنهم يصنعون أشياء لافتةً للنظر وثمينةً جداً، ولا يوجد بينهم مَن يمارس هذه الصنعة من أية طائفة أخرى أو دين آخر· ويبدي اندهاشه مما ذكره جيوفاني بطرس، الذي يتحدث عن عادات الشعوب في أفريقيا قائلاً بأن مزاولة هذه الحرفة مسموحٌ بها لليهود هناك، لكنها محرمةٌ على المسلمين· ويقول تيخيرا: لا أعلم مصدر حصوله على تلك المعلومات، لأننا نرى نقيض ذلك في أماكن متعددة· ومع ذلك، فإن معظم الرحّالة يتفقون على أن مزاولة الحِرف المرتبطة بالذهب والفضة وغيرهما من المجوهرات محرّمةٌ على المسلمين، فيزاولها غيرهم، مثل الصابئة واليهود·
وفي الطريق نحو بغداد يذكر أن بعض اليهود في القافلة سبقوهم، وأنهم سيتمكنون من الاستراحة يوم السبت، فيتوقفون دون أن يتخلفوا عن القافلة· وعند وصوله بغداد يؤكد وجود ما بين مئتين أو ثلاثمئة بيت لليهود، وإن اثني عشر أو خمسة عشر منها كانت موجودةً منذ السبي البابلي الأول· وبعض هؤلاء اليهود أثرياء، ولكن معظمهم مدقعو الفقر، ويعيشون في أحياء منعزلة، ويتمتعون بحرية كاملة، ولهم كُنُسهم الخاصة·
وحينما وصل مدينة عانة ذكر أنه شاهد فيها نحو أربعة آلاف منزل، منها مئة وعشرون بيتاً لليهود العرب، وهم (أي اليهود) ليسوا أغنياء، وإنما ميسوري الحال، وينظر إليهم سيد تلك الأرض وموظفوه باحترام، مع أن هذا يكلفهم بعض المال· ولهم بيوت وأراض خاصة بهم مثل المسلمين الذين يشكلون بقية سكان المدينة· وحينما يغادر المدينة في طريقه عبر البادية السورية، يذكر منطقة يسميها العرب تل اليهود، يكثر فيها اليهود الذين يسكنون في بيوت على مقربة من الجبال الواقعة على الجانب الآخر من نهر الفرات، ولهم حي باسمهم· ويستمر تيخيرا في ذكر مشاهداته وملاحظاته عن اليهود في حلب حتى يصل إلى إيطاليا·