أنت هنا

قراءة كتاب رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

تعدُّ رحلة بيدرو تيخيرا (المعروف خطأً باسم تكسيرا أو تاكسيرا) إحدى أهم الرحلات التي شهدها الشرق عموماً، والعراق خصوصاً، في مطلع القرن السابع عشر، وهي أول رحلة معروفة لرحّالة برتغالي في العصر الحديث بحد علمنا· ومع أن عدداً كبيراً من الرحلات الأجنبية وجدت طري

الصفحة رقم: 3
وهذه الإشارات تدل على أنه كان يركز وينتبه جيداً على كل ما يخصّ اليهود وأحوالهم ومناطق سكناهم في الأراضي التي مرّ بها، ولاسيما العراق· ومع ذلك كله، فإنه ظل يلتزم الصمت إزاء أصله وولادته وحياته المبكرة، باستثناء إشارة تمهيدية في كتابه ذكر فيها أنه كان مولعاً بدراسة التاريخ(6)·
 
من جهة أخرى، لا نعلم المهنة أو التجارة التي كان يزاولها تيخيرا، وليس من السهل أن نؤكد - من خلال رواياته - طبيعة مهمته حينما كان في الشرق، ولم يخبرنا هو أيضاً عن سبب ذهابه إلى الهند، أو حتى السنة التي سافر بها أول مرة من أوروبا إلى آسيا· وأول تاريخ يذكره بخصوص هذه الرحلات هو سنة (1587)(7)، وأنه وصل إلى الهند قادماً من البرتغال في إحدى سفن الأسطول البرتغالي الذي توجه إلى الهند سنة (1586)· ويبدو أنه وصل إلى غوا في أيلول من تلك السنة· وخلال زيارته الأولى للشرق، التي استمرت بين سنتي (1586 - 1598)، انتهز فرصة وجوده لمشاهدة الكثير من الأماكن التي قد لا تسنح الفرصة له برؤيتها مرةً ثانية، فزار الكثير من مدن الهند وسواحلها، وسواحل أفريقيا الشرقية والبحر العربي والخليج العربي وبلاد فارس وهرمز، التي قضى فيها نحو خمس سنوات (1593-1598) لدراسة اللغة الفارسية وتاريخ بلاد فارس؛ إذ يذكر أنه بذل جهداً كبيراً لتعلّم اللغة الفارسية ودراسة تاريخ بلاد فارس، فقدّم ترجمةً مختصرةً لروايات مير خواند وتوران شاه، كما قدم لنا صورةً مفصلةً عن هرمز وأحداثها حينما كان فيها·
 
على أية حال، ما يهمنا هنا رحلة تيخيرا الثانية إلى الهند· فبعد عودته من بلاد فارس إلى الهند في رحلته الأولى(8)، غادر ملقا متوجهاً إلى أرخبيل الملايو، ومنها إلى جزر الفيليبين، ثمّ إلى المكسيك، ومنها إلى لشبونة التي وصلها في الثامن من تشرين الأول سنة (1601)·
 
وقبل أن يغادر ملقا، كان قد أودع مبلغاً من المال لدى أحد رفاقه، وطلب منه إرساله إلى لشبونة بواسطة السفن البرتغالية· ولكن المبلغ لم يصل، فقرر السفر إلى الشرق مرة أخرى في الثامن والعشرين من مايس (1603) على ظهر إحدى السفن المتوجهة إلى الهند بقيادة بيرو فرتادو دي مندوكا، فوصل غوا في الرابع عشر من تشرين الأول من السنة ذاتها· وفي هذه الرحلة استعاد ماله وقرر العودة بعد خمسة أشهر إلى موطنه عبر الطريق البري، مروراً ببلاد وادي الرافدين·
 
في التاسع من شباط سنة (1604) استقل تيخيرا سفينةً برتغاليةً كانت متجهةً إلى الخليج العربي، توقفت في الثاني من آذار في ميناء مصيرة، ومن ثم واصلت رحلتها نحو رأس الحد وخليج عُمان، وبعد أن توقفت قليلاً للتزود بالماء والحطب من مسقط توجهت نحو هرمز· وفي الرابع عشر من نيسان سافر من هرمز متوجهاً إلى البصرة في سفينة صغيرة، فمرّ بالمضيق بين جزيرة قشم واليابسة، ومن ثم إلى الساحل الشرقي للخليج باتجاه شمالي - غربي، وكان يتوقف بين الحين والآخر بسبب شدة الرياح· وكانت أول منطقة رست فيها السفينة جزيرة لار (= الشيخ شعيب)، وفيها التقى بسفينة أخرى كان أهالي بندر نخيلو قد هاجموها، فاضطر للعودة إلى هرمز· وفي الحادي والعشرين من مايس قرر متابعة رحلته، فغادر على ظهر السفينة ذاتها، وكان قبطانها قد سلك طريقاً بحرياً جنوبي جزيرة قشم· وكانت المحاولة هذه المرة ناجحة، إذ وصلت السفينة إلى جزيرة خرج في الخامس والعشرين من مايس· ومن هذه الجزيرة تولى قيادة السفينة قبطان محلي أبحر بها إلى شط العرب، الذي وصله في الأول من آب·
 
بقيت السفينة في شط العرب مدة خمسة أيام، ومنها توجهت إلى منطقة السرّاجي(9) في البصرة، ونقلت حمولتها إلى مركز مدينة البصرة، التي توجه إليها تيخيرا برفقة تاجر بندقي وبرتغاليّين· وكان لهذا التاجر البندقي منزل في مدينة البصرة قضى فيه تيخيرا بضعة أيام قبل التحاقه بالقافلة المتوجهة عبر الطريق البريّ، وكان برفقته دييغو دي ميلّو، الذي سبّب له المتاعب أثناء رحلته كما سنرى· ومرت القافلة بمشهدي الإمامين علي والحسين، ثم بغداد التي وصلها في الرابع من تشرين الأول (1604)، وهناك أقام في منزل صديق له سبق أن تعرف عليه أثناء وجوده في الهند· وكان هذا الصديق يريد ردّ الجميل له لأنه أحسن ضيافته حينما كان في الهند· وحينما كان تيخيرا في بغداد تعرضت حلب لحصار، مما اضطره للبقاء نحو شهرين، فلم يغادر بغداد إلا في الثاني عشر من كانون الأول، وعَبَر نهر الفرات، ووصل عانة في الثالث عشر من كانون الثاني سنة (1605)، ومنها إلى حلب عبر الجِمال· وبعد رحلة استغرقت ثمانية عشر يوماً وصل إلى قرية السخنة (= مسكنة) في الصحراء السورية، ثم إلى حلب التي وصلها في الثاني عشر من شباط· ومن حلب استأنف رحلته بحراً عن طريق الإسكندرونة، فالبندقية، ومنها - بعد المرور عبر جبال الألب - إلى فرنسا والأراضي المنخفضة التابعة لإسبانيا حينذاك، حيث استقر في مدينة انتويرب الشهيرة، وهي أقدم مستعمرة هولندية للمنفيين البرتغاليين· وبعد استقراره هناك بدأ بطبع كتابه القيّم عن ملوك فارس وهرمز· وهناك أيضاً بدأ بتدوين كتابه الشهير: رحلات من الهند إلى إيطاليا عبر الطريق البري· ومن المحتمل أنه توفي في منتصف القرن السابع عشر، باقياً على عقيدته اليهودية(10)·
 
وأخيراً، قبل أن ننهي الحديث عن الرحّالة، نشير إلى أن اسمه تكرر في مؤلفات معاصرة أخرى ولكنها لمؤلفين ورحّالة آخرين· فمثلاً، هناك كتاب بعنوان غرق سفينة البوكيرك الخ في سنة (1601)، وكاتبه يدعى بينتو تيخيرا(11)· وهناك جغرافي ورسّام خرائط ورحّالة آخر اشتهر برحلاته إلى البرازيل واستكشافات في نهر الأمزون بين سنتي (1637-1639)، ويدعى بيدرو تيخيرا أيضاً· لكن لدينا سبب للاعتقاد أنه ليس رحّالتنا· فثمة إشارة تبين سنتي ولادته ووفاته تشير إلى أنه ولد في لشبونة سنة (1595)وتوفي في مدريد سنة (1640)، وفي مصادر أخرى في سنة (1662)(12)· ولو علمنا أن رحّالتنا ذكر أول رحلة له في سنة (1586) فسندرك أنه ليس المقصود هنا· وبما أن أبرز من كتب عن سيرته (وهما وليم سنكلير وتشارلس نايت)(13) لم يحسما مسألة التاريخ الدقيق لوفاته، فسنلجأ إلى التقريب كأفضل حل·

الصفحات