أنت هنا

قراءة كتاب رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

رحلة بيدرو تيخيرا من البصرة الى حلب

تعدُّ رحلة بيدرو تيخيرا (المعروف خطأً باسم تكسيرا أو تاكسيرا) إحدى أهم الرحلات التي شهدها الشرق عموماً، والعراق خصوصاً، في مطلع القرن السابع عشر، وهي أول رحلة معروفة لرحّالة برتغالي في العصر الحديث بحد علمنا· ومع أن عدداً كبيراً من الرحلات الأجنبية وجدت طري

الصفحة رقم: 9
مدينة البصرة
 
تقع البصرة(45)، وهي مدينة يسكنها العرب، على بُعد ميلين من شط العرب، المكوّن من التقاء نهري الفرات ودجلة، وتتصل بهما عبر القناة التي سبق ذكرها(46)، وعن طريق اليابسة المعزولة بقنوات طبيعية وقنوات صناعية· وهي تقع على أرض منبسطة، وربما كان فيها عشرة آلاف بيت داخل الحصن وخارجه، معظمها واسعة وفسيحة، لكن بناءها ردئٌ؛ فهي مبنية بالآجر المجفف بالشمس الذي لا يصمد أكثر من ثلاث سنوات إلا ما ندر· وبيوت الفقراء في العموم من الحصران وحُزم القصب الذي يكثر في الأنهار· وهنا يوجد حصن مربع الشكل، طوله أطول من عُرضه(47)· وجميع الأسوار والمتاريس هنا من الطين، وكلها مهدمة تقريباً· ويحيط بالمدينة خندق عميق وعريض يغذيه رافد، وبداخله نحو عشرة آلاف بيت(48)· وهنا مركز الحركة التجارية ومعظم الحِرف اليدوية أيضاً، فضلاً عن المقرات الرئيسة ومراكز القيادة ومعظم الحامية التي تتكون إجمالاً من ثلاثة آلاف رجل بين جنود مسلحين وخيّالة، وهم من الأتراك والأكراد والعرب، إلى جانب أولئك الموجودين في المخافر· وهناك الباشا، وهو القائد الأعلى في حالتي السلام والحرب، ودار مكوس تدرّ عوائد كبيرةً تدفع منها نفقات الحاميات وغيرها من التكاليف، ويزيد منها فائض كبير·
 
وهنا أيضاً دار لصناعة السفن أرسنال(49)، وعدد كبير من المدفعية جيدة الصنع، وبعض القوادس القليلة المصنوعة من قطع الخشب الصغيرة، وهي رديئة الصنع· وقد تمّ تدشين إحداها حينما كنت هناك· ولكن تلك القوادس لم تكن معدّةً ضد البرتغاليين مثلما كتب أحدهم، لأن الأتراك كانوا يعرفون جيداً أنهم لا يستطيعون بمثل تلك القوادس(50) إلحاق الأذى بهم، وإنما كان الغرض منها استخدامها في النهر وفي المناطق المجاورة ليس إلا، لكبح جماح العرب المتمردين الذين كانوا يبتزون منهم إتاوة ثقيلة· وعلى الرغم من قلة عدد تلك القوادس، إلا أن كلفتها كانت عاليةًَ، لأن أشجار الصنوبر لا تنمو في تلك المنطقة على الإطلاق، كما أن استيراد أخشابه من المناطق الأخرى مكلفٌ·
 
وثمة جسرٌ خشبيٌ مكونٌ من ثمانية قوارب يمتد على رافد النهر، ولكن في الأماكن الأخرى يعبر الناس على قوارب يسمونها دوانق مصنوعة من قطع خشب صغيرة بسبب شحّة القطع الأكبر· ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الدوانق غير مجلفطة(51)، فإن الماء لا ينفذ إليها لأنها مغطاة بقار يسمونه قير(52) سأتحدث عنه كثيراً فيما بعد، بدلاً من الزفت·
 
والبصرة مجهزةٌ تجهيزاً جيداً بالمواد الغذائية وخصيبة، ولاسيما بالتمور التي تكثر هنا بأنواع فاخرة جداً ومتنوعة، حتى أن كميات كبيرةً منها تُصدّر إلى بغداد وإلى موانئ بلاد فارس وهرمز سنويا، لأن تلك المواد تشكل الغذاء الرئيس لعامة الناس· وتنتج التربة هنا كل صنوف الفواكه والخضار والقمح والشعير والرز والحبوب، وهي وفيرة وزهيدة· وبسبب حركة الاستيراد من بوشهر(53) وريق سيف الدين ودورق(54)، يبقى السعر منخفضاً· وهناك أنواع كثيرة من المواشي الصغيرة والكبيرة، وأنواع كثيرة من الطيور أيضاً(55)، وهناك الأسماك النهرية، لكن طعمها ليس لذيذاً· وهناك تجارة مع هرمز التي تأتي منها كل السلع الهندية، ومع كل من البحرين والقطيف والإحساء(56) وبلاد فارس وبغداد وكل أنحاء شبه الجزيرة العربية· وتنتشر هناك أعداد لا حصر لها من العقارب، وقد شاهدت الكثير منها بحجم الروبيان(57)· والهواء هناك غير صحي والمناخ حار جداً· أمّا السكان فهُم من الأتراك والعرب، ولكن أعداد العرب أكثر، فهُم هنا مواطنون، وملامح معظمهم جميلة، ولاسيما الأطفال والنساء، اللواتي يُقال أنهن لسن عفيفات جداً كذا· وغالباً ما يستخدم السكان هنا الجِمال والبِغال والحمير والخيول؛ ومنها خيول إستيلاد نشطة تُصدّر إلى هرمز للمتاجرة بها في الهند بسبب كثرتها وجودة نوعيتها·
 
حينما وصلت البصرة كان كثير من بيوتها بحالة خراب، داخل الأسوار وخارجها، وقد أُعيد بناؤها بسرعة كبيرة جداً· وكان السبب في ذلك الخراب أن النار شبّت في مستودع للبارود قبل ثمانية أو عشرة أيام، فانفجرت خمسة آلاف كيس جلدي من البارود، وأحدثت هياجاً شديداً، حتى اعتقد الناس أنها نهاية العالم· وقد حدث ضررٌ عظيمٌ في الجزء الأعظم من هذه المدينة، التي مضى عليها الآن نحو قرنين وهي منتصبة في هذا المكان· أمّا الآن فهي في موقعها الثالث(58)· ويحتل الأتراك هذه المدينة منذ أكثر من خمسين سنةً بعد أن سيطر عليها أحد الطغاة العرب ووضعها تحت تصرفهم(59)·

الصفحات