يعد هذا الكتاب البالغ الأهمية في عالم السرد الروائي باكورة درجة الأستاذية التي حصلت عليها الدكتورة آمنة يوسف في هذا العام، وهو جزء من تخصصها النقدي الذي بدأ مع رسالة الماجستير ثم تواصل مع الدكتوراه وتتابع مع أبحاثها التالية التي قدمتها لنيل درجة الأستاذ الم
أنت هنا
قراءة كتاب تهجين الإتجّاه في سرد ما بعد الحداثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
تهجين الإتجّاه في سرد ما بعد الحداثة
الصفحة رقم: 10
4- الصورة المجازية
وهي الصورة التي يتفاوت ظهورها النسبي في الكتابات السردية، بحسب الاتجاه الأدبي المهيمن (برأينا) على هذا النص أو ذاك·· فحين يهيمن الاتجاه التقليدي على بنية النص الروائي مثلاً، يـقل ظهور هذه الصورة المجازية الناتجة عن التوظيف الفني للـتشبيه والاستعارة، غالباً، ذلك أن الراوي في الاتجاه التقليدي تقنيـة حريصة على إثبات مدى واقعية النص الروائي بكل عناصره الفنية المكونة له كالزمان والمكان والأحداث والشخصيات ومنها الراوي الذي يكشف غالباً في مثل هذا الاتجاه التقليدي عن شخص الـروائي (المؤلف)، خالق هذا النص الروائي وصانع عالمه الحكائي، بعكس الراوي الذي هو تقنية سردية وقنـاع فني يتستر خلفه الروائي الـذي ينبغي أن لا يظهر على مستوى النص السردي· ولذلك فرَّق النـقاد بين مصطلحي الشخص، الذي هو الروائي، المؤلف، المخلوق من لحمٍ ودم· وبيـن الشخصية التي هي باتفاق النقاد: كائنٌ مصنوع من ورق··
وحين يحرص الراوي ومن خلفه الروائي على إثبات واقعية النص الروائي إلى حدِّ المطابقة بين ما يجري على مستوى هذا النص الذي ينبغي أن يظل عبارة عن (متخيَّل سردي) وبين الأصل، أي الواقع الفعلي، لا الواقع الفني·· فإن ذلك يؤثر على لغة النص الروائي، التي تبدو، غالباً، تقريرية ومباشرة، باحثة عن تطبيق عـنصر الصدق الفعلي، لا الصدق الفني الذي ينشد تحقيقه عادةً الروائي الذي تجاوز في مرحلة لاحقة فلسفة الاتجاه التقليدي في الأدب والـفن عموماً··
ولذلك قلنا: إن الصورة المجازية تقل في لغة النصوص الروائية (التقليدية)، أي أنها إذا وردت فبشكلٍ إلماحي، متناثر وعفوي إلى حدِّ كبير، على العكس من النصوص الروائية ذات الاتجاه الحديث، المنفتحة على لغة القصيدة المجازية، فيما أطلق عليه مثلاً بمصطلح: الرواية الشعرية: أي الرواية التي يمتاز خطابـها بخصوصيته الأسلوبية وباستثماراته البلاغية وبنزعته نحو التكثيـف والاقتصاد اللغوي، حيث يصبح للكلمة في هذا النوع من الكتابة قانونها الخاص وإيقاعها المتميز، فتهيمن بذلك الوظيفة الشعرية في هذا الخطاب على الوظيفة النثرية ونجد أنفسنا تلقائياً نتحدث عـن الشعر، لا عن النثر أو الرواية·(17)
وتجدر الإشارة إلى أن الحضور النسبي للصورة المجازية بـحسب هيمنة الاتجاه الأدبي (التقليدي فالحديث) على بنية الرواية لا يـختلف كثيراً (برأينا) بالقياس إلى القصة القصيرة التي يعتبرها النقاد أقـرب الأجناس الأدبية إلى الشعر والتي ينبغي أن تكون لغتها مكثفة، موجزة، مركزة، موحية، إلماحية·· إلخ· ذلك أن الاتجاه الأدبـي الذي تنتمي إليه هذه القصة أو تـلك ظـل المهيمن على مدى الحضور الفني للصورة المجازية الـتي بدأت محدودةً في بنية القصة التقليدية ثم تطورت في مرحلة لاحـقة، مرتبطة بالاتجاه الأدبي الحديث الذي انفتحت فيه الأجناس الأدبية على بعضها تماماً حتى برزت ظاهرة القصة - القصيدة من النص المفتوح، أو ما يسمَّى عند إدوارد الخراط: الكتابة عبر النوعية التي تشترط لإنجازها عدداً من الشروط الفنية:
أولاها: الوجازة· إذْ إن شق القصيدة في القصة - القصيدة يتطلب قدراً من الإيجاز أو ضيق المساحـة الزمنية (··) وثانيها: الكثافة والتركيز وهي قرين الوجازة والزهد في الحشو والإسهاب· وثالثها: إيقاعية التشكيل وموسيقية الجملة والتركيب على السواء، أما أهمها وأفعلها ولعلها المعيار، فهي، في النهاية، سيادة السردية··(18)
وتبقى أخيراً الصورة المجازية ذات الاتجاه الجديد، التي تنطلق (برأينا) ملتحمةً بالصورة السينمائية في كامل بنية النـص السردي التي تهيمن عليها تقنية الراوي (غير الظاهر) حين تصبح عينا هذا الراوي الجديد مجرد كاميرا تلتقط بالصورة وبالصوت كل مـا يبدو أمامها من مشاهد وأحداث وشخصيات·· بشكل محايد تماماً، يجعل من وظيفة هذه التقنية الآلية، مجرد التسجيل والشهادة على العصر··
ولقد جرَّبنا مقاربة هذا الالتحام البنيوي التام بين الـصورتين المجازية والسينمائية على نص قصصي قصير(19) وتـوصلنا إلى نتيجة مفادها: إمكانية النجاح في ذلك واعتبار هذا النوع من الكتابة السردية نصاً مفتوحاً على الشعر حتى مع سيادة السردية وحـتى مع هـيمنة الرؤية السردية (الجديدة) الملتحمة بنيوياً بالصورتين: السينمائيـة الرئيسة والمجازية، التي نفترض أنها نموذجٌ من نماذج الانتـقال من مرحلة ما قبل تهجين الاتجاه إلى مرحلة ما بعد تهجين الاتجاه··
ولنا في الرواية - موضوع المقاربة البنيوية - تجريب نقدي، نفترض من خلاله انتماء الرواية إلى مرحلة ما بـعد تهجين الاتـجاه، كما سيتضح ذلك في سياق الصفحات القادمة··