من هناك، من تلك البيوت الناعمة المنمنة، من على سفح في جبل لا أعرف اسمه، من ضاحية النخيل، قلت لها كما قال نزار قباني: (صباحك سكر) يا عمّـان. صباح الورد والندى والخزامى. صباح الليلك والجوري وشقائق النعمان. أتهيّأ معك الآن ليوم آخر من أيام العمر.
أنت هنا
قراءة كتاب عن الأردن ومبدعيه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
أين مذكراتك الشخصية أنت؟ أين أنت حقاً بين هذا الجنون الذي عمّ الدنيا بأسرها؟ ماذا عن السوسن والحناء والحرمل؟ ماذا عن عبق
الياسمين ورنّة الخلخال؟ ماذا عن طاسة الماء البارد في الصيف؟ هل نسيت صياح الديكة وخشخشة الحصران؟
أقول: أنا في عمان، أنا في بغداد، أراها وتراني، أشمّ رائحة الحناء والحرمل وفي الطرقات ما يزال الياسمين على مدّ البصر، أنا في
المكان الذي أحببت، في الجزء الذي رأيته داخل العروق وبين المسامات، أنا لا أريد من الدنيا غير بيت منمنم أصغر مني، أرى من
شباكه البرَد وهو يحيط بي، وأرى المطر يضرب الزجاج ويشاركني في كتابة قصصي، أنا رجل أصابه العشق مئات المرات، الحب
للنساء وللأصدقاء وللنخيل، لدجلة والفرات، لشارع النهر وشارع الرشيد، أصابني الحب حتى مع المزابل التي تنقذ الفقراء من الجوع،
أنا متروك مع أخطائي لحب عظيم كريم لا يفهمه البخلاء، مهمل في زاوية من ضاحية النخيل حيث لا نخيل فيها سوى رسم كارتوني
عند اعلانها المضحك الجميل، سقى اللّه عمان، الأمن والأمان، سقى اللّه بغداد على ما تعانيه من ألم وحسرة.
في داخل مشابك الروح أصرخ: يا عمّان، يا بغداد، إذا بالضلوع تتقوس في حالة من الصلاة، وأسمع الصدى يقول: يا عمّان، يا قصر
الحلاّبات، يا أم الجمال، يا شارع المتنبي، يا أم قيس، يا عراق الأمير، يا مأدبا، يا سوق الوراقين، يا شارع الرشيد، يا قلعة القطرانة
وقصر المشتى وسوق الصفافير، أخلط ما بين عمّان وبغداد، أخلط ما بين دمي ودموعي، ثم أنظر من قلعة الكرك ما يجري هناك خلف
قلعة أربيل، يدي لا أصابع فيها غير أصابع (العقبة) وهي تمسك البحر ثم توهبه إليّ معطراً بالمرجان والكنافة.
أغوص في البحر، إلى أعمق ما فيه من لؤلؤ ومبدعين، تعوم حولي عشرات القصص والروايات، أرى الورق وقد تسرب منه حبر
الكلمات التي كتبها جمال ناجي والياس فركوح وهاشم غرايبة، يبدو انها صارت بعضاً من كنوز البحر، أكاد أموت من الفرح وأنا أرى
البحر ينطق اسم عزمي خميس وخالد الكركي وإبراهيم الخطيب، أعوم على مسافة متر واحد شمال ثيابي وجنوب قميصي، فوق
المرجان وشرق الكنافة، أرى بين أمواجه مفلح العدوان وموسى حوامدة ومحمود الريماوي، أي بحر عظيم أعوم بين تأريخه ومائه
الرقراق؟ قلت:
- يا اللّه، كم هو لذيد أن البحر لا يعرف النفاق ولا النميمة. كم هو عظيم كبرياء الماء وأنت أمامه لا شيء غير سمكة من لحم ودم
تعرف أن تنطق العربية.