أنت هنا

قراءة كتاب عن الأردن ومبدعيه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عن الأردن ومبدعيه

عن الأردن ومبدعيه

من هناك، من تلك البيوت الناعمة المنمنة، من على سفح في جبل لا أعرف اسمه، من ضاحية النخيل، قلت لها كما قال نزار قباني: (صباحك سكر) يا عمّـان. صباح الورد والندى والخزامى. صباح الليلك والجوري وشقائق النعمان. أتهيّأ معك الآن ليوم آخر من أيام العمر.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
عبقرية المكان
 
هل كان طيفاً أم حلماً، ذاك الذي رأيته في وادي (رم) وعلى أرض مدينة (البتراء) التي مضت خلف التأريخ حتى سبقته في البقاء برغم
زوالها؟!
أحتاج إلى وقت أبعد من خربشات الذاكرة وأعمق من تلافيف العقل حتى أصدق ذاك (اللاّمعقول) وهو يغازلني في صحوي وخمرتي
والذي أخرجني من حالة الكتابة إلى كتابة الحال، ومن جنون الرؤيا إلى رؤية الجنون، ومن رسم الغرائب في قصصي إلى غرائب
مارأيت من رسوم وحكايات أعجب من حقائق الزمن الذي نحن فيه.. يا لتلك الليلة في البتراء، يا لذاك السحر في فضاءات (رم).. أحقاً
على التراب وفوق الرمال وبين الصخور كل هذا الجمال وتلك العبقرية؟
**
لم يعد من شك بعد الذي رأيت، من أن الطبيعة أعظم - حقاً - من الفن، ربما قالها بيكاسو من قبل، وربما نطق بها كبار المهندسين
المعماريين، فهذا فراغ بين جبلين كما لو أن سكاكين كثيرة اشتغلت على الجدران، لو حاول مليون فنان صناعة جزء واحد من هذه
(الخربشة) العجائبية لما تمكنوا من تحقيق (حلم) كهذا، وأعني بذلك (جبل الشيكولاته) في وادي رم، ذلك أن الحجر يشبه السائل الناري
الذي نراه في الحمم البركانية الغاضبة، هناك فوهات وشبابيك وأبواب وطيّات حجارة تميل على أجساد نائمة، حيوانات برؤوس جبلية
وانتفاضات في بطن الجبل وعند رأسه وتحت حاجبيه.. هل ثمة بطن ورأس وحاجبان للجبال؟! نعم، في منطقة (الخزعلي) يمكن أن
ترى ذلك كله، وأكثر.. ربما كانت تلك أول مرة أرى فيها جبلاً خطّ عليه ما يشبه الحروف السومرية والفرعونية وكلها تبكي بدموع من
حجر.
جبل على هيئة سفينة، وآخر على شكل قلعة محطّمة، وثمة جبال صغيرة، واحد يشبه فارساً يمتطي صهوة حجر هائل، وآخر على شكل
غيوم سوداء تخرج من باطن الأرض، جبل يمشي مثل دبابة وآخر ليس غير (قُبلة) بين صخرتين مدببتين، لكنها كلها تسيل كما الحمم
البركانية صوب لا مكان، بل ترى جبلاً تبرع بجزء منه وصارت نثاراته على الأرض أجمل مما كانت وهي على رأسه كما التاج،
عشرات، وربما مئات الحيوانات تراها في أعماق الفتحات والشقوق والثغور، ديناصورات، أفاع، ذئاب، فيلة، غزلان، وحتى اللقالق
ستراها تحلّق فوق الجبال، مصنوعة من زوائد أو ربما من انزياحات حصلت عبر آلاف السنين، ليس من أحد يمكنه فكّ طلاسم تلك
النثارات المهولة التي جثمت على الأرض، كم هو عمرها؟ من أين سقطت ومتى انسكبت هكذا كما الماء على نار هائجة جامحة؟!
جبالٌ على شكل (كمّاشة) تخنق بقية الكائنات بلا رحمة، جبال على هيئة عراك وضرب بين اثنين، وثمة سلسلة أُخرى هنا وهناك
ستراها مثل (زورق كبير مثلوم) أو (نيزك في لحظة سقوط) وربما (قرد هارب من لهبة نار) وقد تكون (قبعة في مهب الرياح) أو
سمكة، أو امرأة تبكي بدمعة واحدة على خدّها الأيسر، ها هو الفن الرباني في أعظم أسراره، حيث ترى التيجان الذهبية بلا رؤوس،
وأبواب مفتوحة على خناجر من صخر لامع، وقلاع مهجورة، وعلى بُعد جبلين كما اليتامى ثمة أسد وحيد بلا حاشية وعنقود عنب من
أحلى الصخور ثم قبعة أخرى لروبين هود الشهير مع ريشته التي ظهرت في نهاية القبعة!
ينبغي علينا أن نصدق المستحيل في مكان كهذا، وربما سنقترب من المعجزة التي جاء بها المكان المتوحد مع السماء والرب والتأريخ،
وفي صحراء (رم) قامت شركات السينما العالمية بتصوير الوادي على أنه جزء من خارطة القمر، بسبب غرائبية المكان، كما تمّ تمثيل
فيلم لورنس العرب وبضعة أعمال شهيرة أخرى، وترى السيّاح ومتسلقي الجبال يتوافدون زرافات ووحداناً في جولات تقترب من
مناسك الحج والصلاة، وهم ينظرون بكثير من الدهشة والانبهار إلى هذا التكوين الرباني المذهل.

الصفحات