من هناك، من تلك البيوت الناعمة المنمنة، من على سفح في جبل لا أعرف اسمه، من ضاحية النخيل، قلت لها كما قال نزار قباني: (صباحك سكر) يا عمّـان. صباح الورد والندى والخزامى. صباح الليلك والجوري وشقائق النعمان. أتهيّأ معك الآن ليوم آخر من أيام العمر.
أنت هنا
قراءة كتاب عن الأردن ومبدعيه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
عندما كنت أدرس الموروث الشعبي في مصر، رأيتُ أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع ثم معابد (فيلة) بجبروتها المهيب، أصابتني
القشعريرة من هول ما رأيت، واليوم وأنا أرى البتراء أتساءل مع نفسي: هل يمكن فعلاً للبشرية - على ضعفها الجسدي - أن تفعل كل
هذا؟ ألا يمكن - سهواً - نزول حضارات أخرى من أجرام قريبة من كوكب الأرض، أنها جاءت ذات سنة غامضة من سنوات
اكتشافاتها لزيارة كوكبنا، وراحت تلعب وتلهو على سطح أرضنا بإنشاء كل هذه (العجائب) التي لا يستوعبها العقل بسرعة؟!
تُرى كيف نفسّر هذا الجلال الساطع الذي يكمن في مدينة البتراء الوردية المذهلة حدّ الاغماء؟ أيّ إزميل سحري حفر في تلك الصخور
الصمّاء التي تشبه البازلت والحصى؟
البتراء، مدينة صخرية معناها الرقيم بدأت حضارتها في عام 2 1 3 قبل الميلاد، آية من أجمل وأعظم آيات الفن البشري، ستصل إليها
بعد مرورك بين جبلين هائلين أو قل جبل واحد شق إلى نصفين بعد أكبر زلزال عرفته الأرض، وسوف تمشي كثيراً حتى تصل معبد
قدس الأقداس وهو نافذة لاتصال الشعب بالآلهة، ويسمّى عند عامة الناس بالخزنة - آنذاك - وبسبب هذه التسمية هاجمها البدو من وادي
موسى عساهم يعثرون على شيء من المال، وما تزال حفر الرصاص تشهد على تلك الهجومات الطريفة.
**
مقابر ملكية، مقابر وزراء وتجار، ثم عامة الشعب، كلها محفورة في الصخور تشير إلى نهضة (الأنباط) وفنونهم وخصوصية
حضورهم في الحياة منذ آلاف السنين، كما عثرت لجان الحفاظ على الموروث القديم على نقوش ثمودية وأخرى صفوية في جبل اسمه
جبل القمر.
هذه المدينة أعجوبة تسبق ما سمعنا من عجائب الدنيا السبع، إنها الغموض الذي لا تفسير له برغم كل ما كتبوه عنها، وكل شبر منها
يحكي عجباً أكبر، ويقول أصحاب الشأن من المعنيين بآثار البتراء إن ما اكتشفوه منها حتى يومنا هذا هو 51 بالمائة ولم يزل
وراءالمجهول 58 بالمائة من غرائبها وأسرارها وغموضها.
جبال من نسيج الجرانيت وغيرها ما يشبه البازلت، جبال صغيرة يخجل بعضها من رؤية الجبال الشامخة على مقربة منها، وكثيرة هي
القبعات على رؤوسها، مشطوبة من جزء هنا أو جزء هناك، سترى بطيخة مقسومة إلى نصفين، وبضعة عساكر على مشارف القتل،
دولفين خائف من كلب، حتى تصل المسرح الذي يتسع لستة آلاف متفرج، ترى أيّ مسرح كان قبل هذه الحفنة من السنين؟
ومن أجل الأدباء أشعلوا الشموع في طريقنا إلى هذا العالم الساحر الذي تجاوز المعقول بملايين الفراسخ، وكانت القشعريرة قد تسلّلت
إلى النفوس على ضوء ألف وخمسائة شمعة أعادت إلينا شيئاً من طقوس (الأنباط) ذاك الشعب العربي الموهوب، وصارت حالة
الخشوع تسبقنا إلى اكتشاف الماضي، وسأعترف بأنني - شخصياً - ما زلت أرى أن كوكباً آخر كان قد زارنا قبل آلاف السنوات وراح
يحفر تلك الصخور (ربما يتسلّى بها) إذ من غير المعقول نحت مدينة كاملة بهذا الأسلوب الغرائبي الفريد!