أنت هنا

قراءة كتاب الإمام الشافعي حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإمام الشافعي حياته وشعره

الإمام الشافعي حياته وشعره

كتاب "الإمام الشافعي حياته وشعره"، يعتري المرء وهو يقرأ عن حياة الإمام الشافعي - رحمه الله - أو يبحث فيها، إحساس مفعم بزيادة المعرفة، لأنه يقف حائراً أمام تميز هذا الإمام الذي شغل حياته في خدمة الأدب والفقه، وحسبه ما تحدثت عنه الكتب ومؤلفات العلماء ورفوف ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
رحلته في طلب العلم
 
ظهر ذكاء الشافعي واستعداده لطلب العلم صغيراً، وكان ذلك واضحاً في سرعة حفظه واهتماماته، فقد حفظ القرآن الكريم بمكة صبيا، وحفظ حديث رسول الله ﷺ، وجلس يستمع إلى المحدثين فحفظ عنهم سماعاً، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور(5) ليكتب عليها. ثم طلب الشعر واللغة واجتهد في ذلك، حتى قال إسماعيل بن يحيى: (سمعت الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين).
 
وقد حرص - رحمه الله - على طلب العلم والمحافظة على اللغة في وقت بدأت تتفشّى العجمة بين الناس في المدائن والأمصار، بسبب اختلاط العرب بالأعاجم، فخرج إلى قبيلة هذيل الذين عرفوا بالفصاحة والبلاغة، حيث كانوا من أفصح العرب لساناً، فمكث بينهم فترة طويلة قدرها ابن كثير بنحو عشر سنين، وفي ذلك ورد عنه قوله: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيل بالبادية أتعلم كلامها وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، فبقيت فيهم سبع عشرة سنة، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة أخذت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار وأيام العرب»(6)
 
ومن خلال قوله نفهم أنه - رحمه الله - قد عمل خلال إقامته بجد واجتهاد في حفظ أشعارهم، وما كان يُروى عندهم من أشعار غيرهم، وأخذ محاسن لغتهم وعلمهم، واختار لنفسه من عاداتهم ما يتناسب مع ذوقه، وما كان يراه حسناً له ولغيره. وفي بني هذيل تعلم الرماية أيضاً وبرع فيها، فكان يرمي السهام لا يخطئ أبدا ويتضح ذلك من قوله: «وكانت همتي في شيئين، في الرمي والعلم، فصرت في الرمي أُصيب من عشرة عشرة». ولما عاد إلى مكة، أخذ ينشد أشعار هذيل، حتى أصبح مختصاً بها، وأصبحت له مكانة كبيرة في الشعر وروايته، فلما سكت عن العلم، قال له بعض من كانوا يجتمعون عنده ويسمعونه: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي. كما روى شعر الشنفرى، وتمثل بأشعار الطفيل الغنوي. هذا وقد اتصل الأصمعي بالشافعي ليأخذ عنه، حيث روي عنه قوله: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس. وروي عن السيوطي أنه درس ديوان الشاعر الشنفرى، وشعر بني هذيل في مكة على الإمام محمد بن إدريس. وأورد المبرد أيضاً: كان الشافعي من أشعر الناس وآدب الناس. وقال ابن رشيق: أما محمد بن إدريس الشافعي، فكان من أحسن الناس افتتاناً بالشعر. أما محمد بن الحكم فقال: . . . وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر، فيبين لهم معانيه، وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل، إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ. وهذه الأقوال وغيرها تدل على قدرة الشافعي ودقته ووفرة حفظه.
 
كان الشافعي يفيض فصاحة وبلاغة، فقد روي عن مصعب بن عبد الله بن الزبير، أنه لقيه في اليمن يطلب الأدب والنحو. كما نصحه ابن عمه الزبيري على دراسة الفقه وحثه عليه، فأخذ الشافعي بالنصيحة ولزم مسلم بن خالد الزنجي شيخ الحرم المكي وفقيهه آنذاك، وبقي يلازمه ويقرأ عليه حتى سمح له بالفتيا حين قال له: «إفت يا أبا عبد الله، فقد آن لك أن تفتي». كما أخذ عن غيره من المحدثين في مكة.
 
لم يحصر الشافعي طموحه على مكة وعلمائها، لأنه كان يعتقد أن طلب العلم ليس له حدودا أو قطراً معيناً، وواجبه طلب العلم من أي مكان يجده فيه، ومن أجل ذلك استعار (الموطأ) من رجل في مكة، وعكف على قراءته وحفظه، تمهيدا للخروج من مكة، وباعثا له للتعرف على الإمام مالك بن أنس. فلما استأنس ووثق من نفسه شد الرحال إلى المدينة المنورة، يحمل معه كتاب توصية من والي مكة إلى مالك. وقد حدثنا الشافعي عن رحلته هذه، وورد في معجم ياقوت، وفي كتاب مناقب الشافعي للرازي: «دخلت إلى والي مكة، فأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس، فقدمت المدينة، فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلما رآه قال: يا فتى إن مشيي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا، أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل حتى أقف على بابه، فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر. فقال: هيهات. ليت أني إذا ركبت أنا ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجتنا، فواعدته العصر، وركبنا جميعا، فوالله لكان كما قلنا: لقد أصابنا من تراب العقيق، فتقدم رجل فقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك أني بالباب، فدخلت، فأبطأت ثم خرجت فقالت: إن مولاي يقرئك السلام ويقول: إن كانت لديك مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث، فقد عرفت يوم المجلس فانصرِف، فقال لها: قولي له إن معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة، فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي، فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ مسنون اللحية، فجلس وهو متطلس، فرفع إليه الوالي الكتاب، فبلغ إلى هذا: (إن هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه، فتفعل وتصنع)، فرمى بالكتاب من يده، ثم قال: سبحان الله، أَوَصار علم رسول الله ﷺ يؤخذ بالوسائل، فرأيت الوالي قد تهيبه أن يكلمه، فتقدمت إليه، وقلت: أصلحك الله إني رجل مطلبي ومن حالي وقصتي... فلما سمع كلامي نظر إلى ساعته، وكان لمالك فراسة فقال: ما اسمك؟ قلت: محمد، فقال لي: يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن ».

الصفحات