أنت هنا

قراءة كتاب الإمام الشافعي حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإمام الشافعي حياته وشعره

الإمام الشافعي حياته وشعره

كتاب "الإمام الشافعي حياته وشعره"، يعتري المرء وهو يقرأ عن حياة الإمام الشافعي - رحمه الله - أو يبحث فيها، إحساس مفعم بزيادة المعرفة، لأنه يقف حائراً أمام تميز هذا الإمام الذي شغل حياته في خدمة الأدب والفقه، وحسبه ما تحدثت عنه الكتب ومؤلفات العلماء ورفوف ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
لقد كانت هذه المناظرة بين الشافعي ومضيفه مع أن الشافعي كان يعتبر نفسه من أصحاب مالك، وهي مثبتة في كتاب (الأم) الجزء السابع، وبإمكان الراغب في التعرف عليها، العودة إلى الكتاب لزيادة الفائدة، هذا وقد نقل عن الرواة، أن الشافعي أفلح في المناظرة على أستاذه ومضيفه.
 
عاد الشافعي بعد ذلك إلى مكة، وقد نقل معه حمل بعير من كتب العراقيين، وكانت مكة محج العلماء من سائر الأقطار، وبدأ يلقي فيها الدروس، واجتمع مع كبار العلماء الذين استمعوا له، وفي هذه الفترة، التقى به أحمد بن حنبل، وقد تبلورت شخصية الشافعي، ولمعت بفقه جديد مزج فيه بين فقه أهل المدينة وفقه أهل العراق، وأقام في مكة يعلم ويدرس الفقه نحو تسع سنوات، ويستنبط من أخبار الرواة، ويضع المقاييس لمعرفة الحق بضابط دقيق في استخراج قواعد الاستنباط، والتعرف على الأحكام: ناسخها ومنسوخها وخصائص كل منهما، وعلى مكان السنة من علم الشريعة ليعرف صحيحها من سقيمها، وطرق الاستدلال بها، ومقامها من القرآن الكريم، ويستخرج الأحكام إذا لم يكن في الكتاب والسنة، ويتعرف على ضوابط الاجتهاد وحدوده.
 
وفي سنة 195هـ عاد الإمام الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية، وكان الأمين قد تولّى زمام الأُمور، ووصل الشافعي هذه المرة بغداد بطريقة فقهية غير مسبوقة، وقد أصّل الأصول، وضبط المسائل الجزئية، فوجدت بغداد فيه عالما كبيرا، فاجتمع عليه علماء وفقهاء، ووفد إليه المحدثون وأهل الرأي. وأثناء هذه الرحلة ألف لأول مرة كتاب (الرسالة)، ووضع فيه الأساس لعلم أُصول الفقه. وقد أورد ياقوت في معجمه عن الآبري قول اسحق بن راهويه عن علم الشافعي: «كنا عند سفيان بن عيينة، نكتب أحاديث عمرو بن دينار، فجاءني أحمد بن حنبل فقال لي: قم يا أبا يعقوب حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله، فقمت، فأتى بي فناء زمزم، فإذا هناك رجل عليه ثياب بيض تعلو وجهه السمرة، حسن السمت، حسن العقل، وأجلسني إلى جانبه، فقال له يا أبا عبدالله، هذا اسحق بن راهويه الحنظلي، فلما طال مجلسنا، قلت: يا أبا عبدالله، قم بنا إلى الرجل، قال هذا هو الرجل، فقلت: يا سبحان الله، أقُمْتُ من عند رجل يقول حدثنا الزهري، فما توهمت إلا أن تأتينا برجل مثل الزهري أو قريب منه، فأتيت بنا إلى هذا الشاب، فقال لي: يا أبا يعقوب، اقتبس من الرجل فإنه ما رأت عيني مثله ». وهذا الحديث يدل على غرازة علم الشافعي وثقة أحمد بن حنبل بحديثه وفقهه.
 
وروي أن عبد الرحمن بن مهدي، التمس من الشافعي أن يضع له كتابا يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والاجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوص، فوضع الشافعي له كتاب «الرسالة»، فلما وصل الكتاب إلى عبد الرحمن وقرأه قال: «ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل» ويقول الرازي: «واعلم أن الشافعي  قد صنف كتاب «الرسالة» وهو ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة وفي كل واحد منها علم كثير».
 
بعد ذلك عاد الشافعي إلى مكة، وقد ترك أثراً كبيراً بين علماء بغداد، حتى كانت سنة 198، ليعود مرة ثالثة إلى بغداد، ويقيم فيها أشهراً قليلة، انقطع خلالها عليه خلق كثير، وأذعن بفضله العلماء، فعلت مرتبته بين الخلائق والولاة وسار ذكره، فصنف فيها كتابه القديم «كتاب الحجة» الذي رواه عنه أحمد بن حنبل وأبو ثور والزعفرانيوالكرابيسي(9).
 
ثم ارتحل بعد ذلك إلى مصر، وكان سبب ارتحاله بهذه السرعة، أن المأمون قرب إلى مجلسه المعتزلة، وجعل منهم كتَّابه وحُجَابه وجلساءَه، وكان الشافعي ينفر من منهجهم الذي قامت على أثره كما ورد عند الرواة (محنة القرآن). وفي نفس الوقت، عرض المأمون على الشافعي تولي القضاء لكنه اعتذر، ثم عزم على الرحيل إلى مصر، وقد ورد في معجم ياقوت: أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى قد دعاه إلى مصر وكان خليفة لعبد الله المأمون، فوجدها الشافعي فرصة ثمينة للخروج من العراق، وفعلاً رحل إلى مصر، ونزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن الحكم، وكان من أصحاب مالك، وكانت طريقة مالك منتشرة بين المصريين. غير أن الشافعي قال بيتين من الشعر قبيل رحيله من العراق، أحس أنه لا بد من قولهما:
 
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر
 
ومن دونها قطع المهامة والقفر
 
فو الله ما أدري الفوز والغنى
 
أُساق إليها أم إلى القبر
 
كانت نفس الإمام تتوق لزيارة مصر، لكنه لم يكن يعلم أن قدره كان يسوقه إلى قبره، ومع ذلك، فقد صنف فيها كتاب (الأم)، في الأصول.
 
وفاز أيضا بنشر علمه وآرائه الفقهية، وتصانيفه وكتبه والتي منها (الرسالة) وهي في أصول الفقه، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وكتاب قتال أهل البغي، وغيرها من الكتب والدرر النفيسة. وكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - قد قال عنه: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة واختلاف الناس والمعاني والفقه.

الصفحات