أنت هنا

قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سراب في كأس التفاؤل

سراب في كأس التفاؤل

ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2
تجارةُ الخزعبلاتِ
 
توجدُ في العالَمِ العربيِّ المعاصرِ العشراتُ من دورِ الطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ وتتركّزُ في جلِّها في العواصمِ السياسيةِ والتجاريةِ. تتخصّصُ دورُ النشرِ العربيةُ في نشرِ وتوزيعِ مختلفِ منشوراتِ الموادِ من علميةٍ وأدبيةٍ وفنيةٍ وتجاريةٍ وزراعيةٍ وصناعيةٍ وتقنيةٍ وحاسوبٍ .... لكنَّ الموادَ الفكريةَ الأكثرَ تركيزاً عليها وبشكلٍ شبهِ مطلقٍ هي تلكَ الأدبيةُ. يعودُ ذلكَ إلى التخلّفِ المزمنِ الذي يصيبُ القدراتِ العلميةَ والصناعيةَ والتقنيةَ العربيةَ. حتى في المجالاتِ الأدبيةِ والفنيةِ هنالكَ جنوحٌ واضحٌ نحوَ الترجمةِ شبهِ الحرفيةِ عن مختلفِ اللغاتِ والثقافاتِ الأخرى، وإيلاجِها بطريقةٍ أو بأخرى في جسدِ اللغةِ والثقافةِ العربيةِ ومجتمعاتِها. بسببِ المعيقاتِ والقيودِ والمحدِّداتِ والحواجزِ والأسوارِ والموانعِ الموضوعةِ في دروبِ الكتّابِ والمؤلفينَ والناشرينَ العربِ أصبحَ من الأسهلِ والأسرعِ والأضمنِ والأكثرِ أمناً وأماناً اللجوءُ إلى مؤلَّفٍ أجنبيٍّ وترجمتُهُ حرفياً، مع بعضِ التصرفِ بما يناسبُ ظروفَ البلدِ والمجتمعِ العربيّيْنِ.
 
يضيفُ القرّاءُ العربُ عبئاً على كاهلِ المؤلِّفينَ والناشرينَ العربِ لقلةِ وتناقصِ أعدادِهم وضعفِهم في القراءةِ، وتبعاً لذلكَ في قوّتِهم الشرائيةِ. ذلكَ ما يجعلُ سوقَ الكتابِ العربيِّ يهبطُ أكثرَ باتجاهِ الحضيضِ ويجعلُ الناشرَ والمؤلّفَ العربيينِ لا ينفكّانِ يندبانِ حظيْهما في اختيارِ كلٍّ منهما مهنتَهُ وحياتَهُ معتمدتينِ على سوقِ الكتابِ العربيِّ. من جانبهِ القارئُ باللغةِ العربيةِ اليومَ يواجهُ معضلةً قديمةً جديدةً مؤسفةً ألا وهيَ فقدانُ الكتابِ العربيِّ المادةَ المفيدةَ أو الدسمةَ التي يودُّ القارئُ أو المتعلمُ الحصولَ عليها بأسرعِ الطرقِ وأقلِّها تكلفةً. يعودُ السببُ في تدني مستوى الكتابِ العربيِّ إلى توجّهِ أجهزةِ التربيةِ والتعليمِ في مؤسّساتِ العالمِ العربيِّ الأكاديميةِ والفنيةِ والتطبيقيةِ إلى اعتمادِ التدريسِ باللغاتِ الأخرى وتركِ اللغةِ العربيةِ تواجهُ مصيراً مجهولاً بل قاتماً وقاتلاً. الكاتبُ أو المؤلِّفُ العربيُّ كثيراً ما يلجأُ إلى التكرارِ المملِّ للأفكارِ واقتباسِ الأفكارِ الجديدةِ والاستحواذِ عليها كما لو كانَ هو السبّاقَ إليها؛ ذلكَ ما يمكنُ أنْ يُعرفَ بالسرقاتِ العلميةِ والفكريةِ والذهنيةِ التي تحصلُ بشكلٍ روتينيٍّ حتى باتت تبدو عاديّةَ الحدوثِ. باتَ السوقُ الفكريُّ العربيُّ في وضعٍ لا يحسدُ عليهِ داخلياً وخارجياً وأوجبَ ذلكَ القيامَ بحركةٍ أو عمليةٍ ثوريةٍ طويلةٍ مضنيةٍ لإنقاذِ الموقفِ قبلَ فواتِ كلِّ أوانٍ على اللغةِ والثقافةِ العربيتيْنِ وأنصارَيْهما. من الواجبِ أنْ تهدفَ العمليةُ الثوريةُ المتكاملةُ هذهِ إلى تحسينِ وضعِ الكاتبِ والكتابِ والناشرِ والقارئِ، كلُّها في النهايةِ تؤدّي إلى استرجاعِ الاعتبارِ للمادةِ الفكريّةِ والثقافيّةِ العربيّةِ المكتوبةِ أو المقروءةِ. يبدو الأمرُ من قبيلِ شبهِ المستحيلِ، بل المستحيلِ بعينهِ، في ظلِّ سيادةِ التخبّطِ والفوضى والتخلّفِ والفسادِ الإداريِّ والتعليميِّ والتنظيميِّ. هذا إضافةً إلى الهجمةِ الثقافيّةِ الخارجيّةِ الشرسةِ والغزوِ الفكريِّ الخارجيِّ المحدقِ الذي من الصعبِ أنْ ينجوَ منهما أحدٌ.
 
هنا نودُّ التركيزَ على أمرٍ أقلَّ اتساعاً وتفرعاً ألا وهي الحالةُ العامةُ السائدةُ لدى دورِ النشرِ العربيةِ وعن مساهمتِها في بثِّ الروحِ الأصيلةِ في الفكرِ والوعيِ والإبداعِ والعلمِ والفلسفةِ، وحتى التقنيةِ الحديثةِ، العربيِّ والعربيةِ لكلٍّ منها. كغيرِها من معضلاتِ الحياةِ العامةِ المزمنةِ في العالَمِ العربيِّ يبدو الأمرُ أقربَ إلى المهزلةِ أو العبثيةِ منهُ إلى النجاحِ في إنتاجِ ونشرِ فكرٍ خلاقٍ أو إبداعيٍّ أصيلٍ. يمكنُ تصويرُ الوضعِ العامِّ بالحرِجِ جداً لما يجري في بيئاتِ دورِ نشرِ الكتبِ الناطقةِ باللغةِ العربيةِ. في هذا الاتجاهِ يمكنُ ربطُ الأمورِ على شكلِ نقاطٍ بمجموعةٍ من الظروفِ والوقائعِ والحيثيّاتِ والشروطِ الميدانيةِ التي يجبُ على الكاتبِ أو المؤلِّفِ العربيِّ توخّيها أو حتى المرورُ بها قبلَ ولوجهِ في مسيرةِ التأليفِ الشاقةِ، والتي بدت للكثيرينَ ممن دخلوا فيها غايةً في الفشلِ والعبثيةِ العميقةِ. هذهِ الشروطُ والظروفُ الموضوعيةُ تحدثُ في جلِّها في سياقِ عمليةِ التأليفِ والكتابةِ والطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ. في النهايةِ تهدفُ الرؤيةُ هذهِ إلى محاولةِ خلقِ بيئةٍ حيويةٍ مثمرةٍ ومريحةٍ لمكوناتِ السوقِ الفكريةِ الإنتاجيةِ ألا وهيَ الكاتبُ والناشرُ والقارئُ. هذهِ الشروطُ والظروفُ يمكنُ تلخيصُ قسمٍ منها على النحوِ التالي :
 
• يُفضَّلُ أنْ يكونَ المؤلِّفُ صغيرَ السنِّ مقبِلاً على الحياةِ والمستقبَلِ لإفساحِ المجالِ أمامَهُ أو أمامَها لاستيعابِ التجاربِ مع السوقِ أولاً بأولٍ والتغلبِ عليها بما تحتاجُ إليهِ من وقتٍ لا مفرَّ أنْ يكونَ طويلاً. ذلكَ شأنٌ عالَميٌّ لكنّهُ يأخذُ منحىً أكثرَ عمقاً وحساسيّةً في حالِ الدّولِ الناميةِ.
 
• أنْ يكونَ المؤلِّفُ، من ذكرٍ أو أنثىً، سليمَ القلبِ والجهازِ العصبيِّ قويَّ جهازِ المناعةِ ومستعداً للتضحيةِ بالكثيرِ مادياً ومعنوياً ونفسياً مقابلَ القليلِ من الريعِ والمردودِ الماديِّ والمعنويِّ. تلكَ مواصفاتٌ عادةً أو غالباً ما يتمتّعُ بها من هم في سنِّ الشبابِ أو في سنٍّ أقلَّ كثيراً من سنِّ اليأسِ في الإنتاجِ الفكريِّ والعقليِّ الإبداعيِّ. في هذا السياقِ الصحيِّ والطبيِّ يمكنُ اللجوءُ حتى إلى إجراءِ فحوصٍ وتجاربَ باستخدامِ جهازِ الطردِ المركزيِّ على الكتّابِ والمؤلِّفينَ، المخصّصِ للطيارينَ الحربيينَ وروّادِ الفضاءِ، يوضعُ فيهِ الكاتبُ أو المؤلِّفُ المرشّحُ لقياسِ قدرتهِ على البقاءِ طويلاً في ظروفٍ نفسيةٍ ومعنويةٍ قاسيةٍ.

الصفحات