ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!
أنت هنا
قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
لضيقِ الوقتِ والمكانِ وضعفِ القدراتِ لا يمكنُ الدخولُ في شياطينِ تفاصيلِ شئونِ دورِ الطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ العربيةِ؛ لكلِّ أمرٍ أو قضيّةٍ أو حتى دوّامةٍ في هذا الشأنِ تفاصيلُهُ أو تفاصيلُها الخاصةُ واللهُ تعالى أعلمُ بالخفايا والأسرارِ الجيّدةِ الطيّبةِ والخبيثةِ. لكنّنا نقولُ أخيراً في هذهِ الأطروحةِ الناقدةِ الناقمةِ أنَّ حالةً بائسةً كالموصوفةِ هنا حولَ الكتابةِ والتأليفِ والطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ لم تحرّكْ ساكناً واحداً لدى المسئولينَ الموكّلينَ القيّمينَ والقوّامينَ لفعلِ أيِّ شيءِ بالخيرِ يُذكَرُ لترتيبِ وتنظيمِ الأمورِ وتصحيحِ المواقفِ. حتى التسعيرةُ الثابتةُ الواضحةُ على الكتبِ والمطبوعاتِ والتي من شأنِها أنْ تعطيَ الكتابَ بعضَ قدْرهِ على الأقلِّ وتحافظَ على "كرامتهِ ومؤلِّفهِ" لم تجدْ طريقَها بعدُ إلى سوقِ بيعِ وتداولِ الكتابِ العربيِّ، أسوةً بنظيرهِ الغربيِّ أو حتى الشرقيِّ الحديثِ. لا يزالُ الكتابُ العربيُّ يتلوّى ويتمرّغُ بغلافٍ ممسوخٍ بلا ثمنٍ محدّدٍ في ترابِ ورمالِ وأوحالِ شوارعِ المدنِ العربيةِ في مواجهةٍ يوميةٍ مع أشعةِ الشمسِ وحرارةِ ورطوبةِ الأجواءِ؛ من شأنِ الأخيرةِ أيْ العواملِ الجويةِ والبيئيةِ أنْ تفقدَهُ بريقَهُ ولمعانَهُ وقوّةَ جاذبيتهِ خلالَ بضعِ ساعاتٍ من ظهورهِ عليها.
المسئولونَ عن تطويرِ الثقافةِ والمطبوعاتِ والكتبِ واللغةِ العربيّةِ لا يستطيعونَ أنْ يخصّصوا جزءاً يسيراً من وقتِهم لتنظيمِ أمورِ الطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ وحفظِ حقوقِ وماءِ وجهِ وكرامةِ وسلاسةِ حياةِ جميعِ أطرافِ الكتابةِ والنشرِ في العالَمِ العربيِّ. على الحريصينَ على تلكَ الحقوقِ أنْ يدرسوا الموضوعَ من الألفِ إلى الياءِ وأنْ يستفيدوا من القوانينِ السائدةِ في الدولِ والمجتمعاتِ المتقدّمةِ عليهم، في الغربِ وبعضِ الشرقِ. ذلكَ ما يحفظُ القارئَ من نزواتِ الكتّابِ والناشرينَ ويحفظُ حقوقَ الكاتبِ عندَ الناشرِ وحقوقَ الناشرِ عندَ الكاتبِ، وأخيراً حقوقَ الناشرِ والكاتبِ عندَ القارئِ المستهلِكِ. ذلكَ بدلَ الاستمرارِ في حالةِ الفوضى والعبثيةِ والاعتمادِ على ما يُعرفُ بالضميرِ وحلفِ الأيْمانِ التي تصبحُ جميعاً رخيصةً عندَ أوّلِ بريقٍ للعملةِ النقديةِ المستعمَلةِ.
ما سبقَ أعلاهُ أربعةَ عشرةَ نقطةً وحيثيّةً وشرطاً من شروطٍ أخرى قد تكونُ الأخيرةُ غيرُ المذكورةِ أكثرَ شؤماً وفداحةً في شئونِ التفكيرِ والطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ العربيةِ. تلكَ النقاطُ وغيرُها قد تؤدّي بالكاتبِ والمفكّرِ والقارئِ وأخيراً وليس آخراً بالناشرِ العربيِّ أنْ يعضّوا بنواجذِهم بشدّةٍ على أصابعِهم عشراتِ المرّاتِ يومياً. العضُّ الشديدُ بالنواجذِ على الأطرافِ هنا يكونُ على ذلكَ الحظِّ العاثرِ الذي أدّى بهم إلى الوقوعِ في براثنِ الفكرِ المنتجِ والطباعةِ ومحاولةِ التوزيعِ والنشرِ والتسويقِ!، إذا ما يصحُّ التعبيرُ بعدَ أنْ أضحى ذلكَ الوضعُ المأساويُّ واقعاً. في الوقتِ ذاتهِ هذهِ "وصفةٌ قويّةٌ" تصلحُ لاستمرارِ اضمحلالِ الإبداعِ والثقافةِ والفكرِ والإنتاجِ العلميِّ والتقنيِّ، العربيِّ لكلٍّ منها. المسئولونَ الأكاديميونَ والإداريّونَ والسياسيونَ العربُ، بتوافقٍ مكمِّلٍ! مع مكوّناتِ سوقِ الطباعةِ والنشرِ والتوزيعِ، مُلامونَ على تحويلِ السوقِ العربيِّ للكتابِ والفكرِ إلى سوقِ فوضىً وعبثيّةٍ وخزعبلاتٍ بألوانٍ وأشكالٍ مختلفةٍ لكنْ محدودةٍ. يحدثُ هذا بعدَ اقترافِ جريمةِ الإقصاءِ الفاضحِ للّغةِ العربيةِ للولوجِ في ميادينِ الصناعةِ والزراعةِ والتجارةِ والإدارةِ والعلومِ المختلفةِ والتقنيةِ القديمةِ والحديثةِ. الآنَ وعلى أيدي الشّركاتِ "التعليميّةِ الثقافيّةِ" تتعرّضُ اللغةُ العربيّةُ إلى جريمةِ الإقصاءِ عن مسارحِ الموادِّ الأدبيةِ واللغويّةِ والدينيّةِ، وحتّى الإسلاميّةِ. ماذا بقيَ للّغةِ العربيّةِ من شيءٍ حديثٍ أو حتّى قديمٍ كلاسيكيٍّ تزدهرُ بهِ؟!. ذلكَ حقيقةً ما يجعلُ كيانَ الأمّةِ الذاتيِّ الداخليِّ، أو ما يُعرفُ بالجبهةِ الداخليةِ الأساسيّةِ الفكريّةِ والثقافيّةِ، في حالةٍ من الاهتزازِ والقابليّةِ للهزيمةِ وحتى الاجتثاثِ من قِبلِ أيّةِ قوّةٍ غازيَةٍ معاديَةٍ عادةً ما توصفُ الأخيرةُ بأنّها غاشمةٌ طاغيةٌ عابثةٌ طامعةٌ.