أنت هنا

قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سراب في كأس التفاؤل

سراب في كأس التفاؤل

ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8
وحدَها وقفتْ اللغةُ العربيةُ المجيدةُ في معارضِ الكتابِ العربيّةِ المحليّةِ والدوليّةِ مثلَ تمثالٍ قديمٍ. أصابَ الصدأُ والتآكلُ والعفنُ ذلكَ التّمثالَ وباتت تحيطُ بهِ مجموعةٌ من الكتبِ من نوعِ النادبةِ للحظِّ والناطقةِ بالخزعبلاتِ. تظهرُ أغلفةُ تلكَ الكتبِ بديكوراتٍ وزخارفَ لجلبِ انتباهِ المغفّلينَ، أو ما تبقّى من المهتمّينَ بشأنِ اللغةِ العربيّةِ الذينَ باتوا يعدّونَ على الأصابعِ في كافّةِ أرجاءِ الوطنِ والعالَمِ العربيّيْنِ. لم يستحِ المتعلّمُ العربيُّ من نفسهِ ولم يعدْ في خلوتهِ إلى ضميرهِ الوطنيِّ والقوميِّ والإنسانيِّ محاولاً فعلَ شيءٍ لإعادةِ ما يمكنُ من اعتبارٍ للّغةِ العربيّةِ المجيدةِ. مَعارضُ ومحلاتُ بيعِ الكتبِ العربيّةِ الدوليّةِ والمحليّةِ باللغةِ العربيّةِ خلتْ بشكلٍ شبهِ تامٍّ مطلَقٍ من زوّارِها القارئينَ من الأطبّاءِ والمهندسينَ والعلماءِ والكتّابِ والمفكّرينَ العربِ. في ذلكَ لا يسعُنا إلا أنْ نقولَ هنيئاً لدورِ النشرِ الأجنبيةِ عبرَ العالَمِ مثلَ دورِ نشرِ "Penguin،McGraw Hill، Oxford، John Wiley، Addison Wisely، Prentice Hall ...."؛ ملأتْ إصداراتُ دورِ النشرِ هذهِ أمخاخَ ورفوفَ مكتباتِ الطبقةِ المتعلّمةِ والمثقّفةِ والمفكِّرةِ العربيّةِ.
 
في ديسمبر كانونِ أوّلِ عامَ 2006ِ، وبعدَ سنينٍ من العملِ شبهِ اليوميِّ خاصّةً في الصّباحِ الباكرِ بينَ السّاعةِ الثّالثةِ أو الرابعةِ والثّامنةِ صباحاً، كنتُ قد انتهيتُ من كتابةِ ثلاثةِ مخطوطاتٍ على أشكالِ رواياتٍ مبنيّةٍ على قصصٍ وتجاربَ جدُّ حقيقيّةٍ. تكادُ الرّواياتُ تصبحُ وثائقيّةً بامتيازٍ بالرّغمِ من تحويلِها إلى قصصيّةٍ عن طريقِ استعمالِ الحيواناتِ فيها كشخصيّاتٍ رئيسيّةٍ أو شبهِ رئيسيّةٍ مساعِدةٍ. بسببِ حالةِ التقصيرِ حيالَ الإبداعِ والإنتاجِ والابتكارِ الفكريِّ والتقنيِّ باللغةِ العربيّةِ باتتْ هنالكَ فجوةٌ فكريّةٌ واسعةٌ عميقةٌ فارغةٌ تؤدّي بالكاتبِ إلى الرجوعِ إلى البيئةِ الأصلِ لتقديمِ عملٍ ما، أصيلٍ متأصّلٍ معبِّرٍ عن الحالِ. في هذا الاتجاهِ لم يبقَ للعربيِّ من شيءٍ يستعملُهُ لخوضِ غمارِ حروبِ التحدّي والتّنافسِ مع الآخرينَ سوى الحمارِ والبغلِ والجملِ والحصانِ، وبدرجةٍ أقلَّ الكلابِ والحيواناتِ الأخرى. المثيرُ في الأمرِ أنَّ تلكَ المنهجيّاتِ والأفكارَ المستفيدةَ من بيئةِ الحيواناتِ تنجحُ إلى حدٍّ بعيدٍ في وضعِ توصيفٍ وتشخيصٍ لما يجري من مشاكلَ في حالِ الدّولِ النّاميةِ عموماً والعربيّةِ خصوصاً. شخصيّاً فالاستعانةُ بالحيواناتِ في التأليفِ يضيفُ راحةً نفسيّةً لديَّ ككاتبٍ ويعطيني قدْراً من الحريّةِ في التعبيرِ ووصفِ الأمورِ، وربّما وضعِ النقاطِ على الحروفِ وتسميةِ الأشياءِ بمسمّياتِها. ينتجُ عن تلكَ المنهجيّةِ التقليديّةِ القديمةِ في عرضِ القضايا المطروحةِ استقراءٌ لأفكارِ وخواطرِ تلكَ الحيواناتِ وإيماءاتِها واستنباطٌ لعقولِها واستنطاقٌ لألسنتِها، بالطّريقةِ التي يراها الكاتبُ مناسِبةً!. بالإضافةِ إلى استعمالِ الحيواناتِ للحومِها وجهودِها ومزايا التسليةِ والترفيهِ فيها يمكنُ استعمالُها بنجاحٍ! في التفكيرِ وحتّى الإبداعِ الفكريِّ الهادفِ.
 
في غمرةِ البحثِ عن ناشرٍ يتمتّعُ بالحدِّ الأدنى على الأقلِّ من الاعتبارِ والصّدقِ والأمانةِ، والشّجاعةِ الفكريّةِ إذا ما جازَ التعبيرُ، كان لا بدَّ من عملِ أيِّ شيءٍ. ها قد مضى على بعضِ مؤلّفاتِيَ تنتظرُ النّشرَ حواليْ السّنةَ ونيّفٍ ولم يطرقْ بابِيَ صديقٌ أو مندوبٌ لدارِ نشرٍ أو كاتبٌ مخضرمٌ ذو خبرةٍ في مجالِ التعاملِ مع النّاشرينَ أو مراسلٌ لصحيفةٍ أو مجلّةٍ. عليَّ أنْ أقومَ بخطوةٍ ما مهما تكنْ خبطَ عشواءَ. ذاتَ يومٍ علمتُ من وسائلِ الإعلامِ المحليِّ أنَّ هنالكَ معرضاً للكتابِ سيُقامُ في مكانٍ قريبٍ نسبيّاً من مكانِ إقامتِيَ الدّائمةِ في غربتِيَ عن مسقطِ رأسِيَ. انتظرتُ بفارغِ الصّبرِ حدوثَ ذلكَ المعرضِ حيثُ هنالكَ حظوظٌ وفُرصٌ كثيرةٌ وفيرةٌ للّقاءِ بأكبرِ عددٍ ممكنٍ من النّاشرينَ عن كثبٍ ووجهاً لوجهٍ.
 
شددتُ الرّحالَ إلى ذلكَ المكانِ وعزمتُ البحثَ في معرضِ الكتابِ المُقامِ عن دارِ نشرٍ لا مانعَ أنْ أضعَ فيها كلَّ "بيضاتِيَ" الفكريّةِ. بعدَ عدّةِ أيّامٍ من البحثِ المضني وبالذّاتِ في آخرِ يومٍ من أيّامِ المعرضِ، والعارضونَ يجمّعونَ أمتعتَهم للرّحيلِ، قابلتُ شابّاً لطيفاً كانَ يجلسُ على طاولةٍ بدا فيها مثلَ موظّفِ استعلاماتٍ. جلسَ ذلكَ الشّابُّ خلفَ طاولةٍ صغيرةٍ أقربَ للاستعمالِ في مقهىً على استعمالِها لأمورٍ أكاديميّةٍ. ما أنْ عرَفَ ذلكَ الشّابُّ بوضعِيَ الميئوسِ منهُ حتّى اقترحَ عليَّ على الفورِ عنواناً لدارِ نشرٍ اعتقدَ أنّها قد تكونُ الحلَّ الكافيَ الشّافيَ للمعضلةِ، وتقريباً لا غيرَ تلكَ الدّارِ!. اشتملَ العنوانُ الذي حصلتُ عليهِ، وعلى عجالةٍ، على رقمِ هاتفٍ أرضيٍّ واسمِ شخصٍ موكّلٍ جيّداً للتعاملِ مع هكذا قضايا، حسبَ اعتقادِ وإصرارِ وتأكيدِ ذلكَ الشّابِ. وَصَفَ الشابُّ اللطيفُ القضيّةَ بالسهلةِ وأنّه لا داعيَ للقلقِ بأيِّ شيءٍ يختصُّ بشئونِ النشرِ ومعرفةِ واحترامِ القانونِ والتفنّنِ في تطبيقِ الذّوقِ العامِّ في التعاملِ مع الآخرينَ. ملخّصُ القولِ السّريعِ، وحسبَ رأيِ ذلكَ الشّابِّ اللطيفِ فإنّهُ "لا تسألْ إلا من كانَ بالأمرِ خبيراً" وأنَّ فرصةَ اللحظةِ الأخيرةِ في البحثِ عن حلٍّ لنشرِ مخطوطاتِيَ ستنجحُ!.

الصفحات