ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!
أنت هنا
قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
في الأسبوعِ التالي من حينهِ أجريتُ مكالمةً هاتفيّةً مع دارِ النشرِ المقترَحةِ، دارُ "الفخامةُ للنّشرِ". صادفتُ هنالكَ موظّفاً أخبرني بدورهِ على الهاتفِ أنَّ ما عليَّ إلا أنْ أرسلَ مخطوطاتِيَ بالبريدِ العاديِّ أو مع شخصٍ صديقٍ مؤتَمَنٍ قادمٍ إلى تلكَ المدينةِ، متوسّطةِ البعدِ عن مكانِ إقامتِيَ. سُرِرتُ كثيراً بما سمعتُهُ على الهاتفِ وعلى الفورِ أرسلتُ تلكَ المخطوطاتِ في ظرْفٍ بريديِّ كبيرٍ إلى ذلك العنوانِ، عن طريقِ صديقٍ جدُّ مؤتَمَنٍ على أيِّ شيءٍ مهما غلا سعرُهُ وعظُمتْ قيمتُهُ المعنويّةُ والماديّةُ. بدورهِ قامَ صديقِيَ بتوصيلِ المخطوطاتِ إلى مكتبِ المسئولِ في دارِ "الفخامةُ للنّشرِ"، وبشكلٍ لا يدعُ اعتباراً لأيِّ شكٍّ لديَّ. مضتْ حواليْ العشرةِ أيّامٍ لم أتلقَّ فيها إشعاراً رسميّاً من دارِ النّشرِ بأنَّ تلكَ المخطوطاتِ قد وصلت وعن ماذا يدورُ في دارِ النشرِ بشأنِها!؟؛ الإشعارُ هنا عن طريقِ الهاتفِ الأرضيِّ أو المحمولِ أو الفاكسِ أو بالبريدِ العاديِّ أو الإلكترونيِّ. قلتُ في نفسِي أنّها مجرّد صفةٍ أساسيّةٍ لمؤسّسةٍ عربيّةٍ أو في دولِ العالَمِ الثالثِ أو النّامي بشكلٍ عامٍّ. ذلكَ الروتينُ والبطءُ في الردِّ وتلكَ اللامبالاةُ جزءٌ لا يتجزّأُ من تصرّفاتِ مؤسّساتِ العالَمِ الثّالثِ. هذهِ المنهجيّةُ البائسةُ تُبقي الأوطانَ والشّعوبَ بحاجةٍ ماسّةٍ لكنْ مشروعةٍ! لمساعداتٍ خارجيّةٍ مشروطةٍ مكلِفةٍ على الخزينةِ العامّةِ والهويّةِ والشخصيّةِ والثّقافةِ والمبادئِ والثوابتِ والعقائدِ والمعتقداتِ.
بدأتُ بإجراءِ مكالماتٍ هاتفيّةٍ دوريّةٍ مع دارِ "الفخامةُ للنّشرِ" أستعلمُ فيها عن الأحوالِ هناكَ وعن أيِّ عملٍ مقترَحٍ أو ضروريٍّ يجبُ عليَّ القيامُ بهِ. الموظّفُ ويدعى "عَلْمان الكاسي" على الطرفِ الآخرِ من الخطِّ الهاتفيِّ تولّى أمرَ التعاملِ معِيَ، على الهاتفِ حتّى الآنَ. في المكالمةِ الأولى سألني السيّدُ "الكاسي" عن اسمِيَ والمخطوطاتِ التي أتحدّثُ عنها!؟. أعطيتُهُ اسمِيَ الكاملَ وعنوانِيَ وسردتُ لهُ أسماءَ المخطوطاتِ المرسلةِ مسجّلةً على قرصٍ مدمَجٍ، وهي نفسُها على ورقِ طباعةٍ. أخبرني السيّدُ "الكاسي" أنّهُ سيبتُّ في الأمرِ مع الموظّفينَ في الدّارِ وأنّهُ سيردُّ لِيَ الجوابَ لاحقاً. في ذلكَ نِمْتُ على وعدٍ من صوتِ رَجُلٍ، أو ذَكَرٍ!، على الطّرفِ الآخرِ من خطِّ الهاتفِ. لم يفِ السيّدُ "الكاسي" بوعدهِ بعدَ انتظارِ أكثرَ من أسبوعٍ من جانبِيَ.
قلِقاً على حالِ ومصيرِ المخطوطاتِ أعدتُ الاتصالَ بعدَ أسبوعٍ تقريباً من آخرِ اتصالٍ. في المكالمةِ سألني السيّدُ "الكاسي" عن اسمِيَ والكتبِ والمخطوطاتِ التي يعنيني أمرُها!؟ حينَ أعدتُ الكرّةَ كما حصلَ قبلَ ذلكَ أيْ في المرّةِ الأولى. أخبرني السيّدُ "الكاسي" أنَّ الموظّفَ المناطَ بهِ التعاملَ مع هكذا قضايا غيرُ موجودٍ في حينهِ. عاودتُ الاتصالَ بعدَ حواليْ العشرةِ أيّامٍ وكرّرتُ للسيّدِ "الكاسي" اسمِيَ وعنوانِيَ وأسماءَ مخطوطاتِيَ المرسَلةَ. أخيراً أخبرني السيّدُ "الكاسي" أنَّ تلكَ المخطوطاتِ قد وصلت! لدارِ "الفخامةُ للنّشرِ". كانَ ذلكَ الإخبارُ الأكيدُ أو التأكيدُ عن تسلّمِ تلكَ المخطوطاتِ بعد حواليْ الشهريْنِ من تسليمِ المخطوطاتِ لدارِ "الفخامةُ للنّشرِ". في المكالمةِ تمَّ التأكيدُ على أنَّ المخطوطاتِ قد وصلتْ إلى أيادٍ أمينةٍ، ولا داعيَ للقلقِ بشأنِ الخطواتِ التي تلي.
اطمأنَّ قلبِيَ على وهنٍ ومضضٍ، لكنَّ شعوراً بعدمِ الراحةِ من تلكَ الجهةِ ظلَّ ينتابُني، فطريّاً لا ذكائيّاً عصريّاً. اتصلتُ بأصدقاءَ لِيَ كانتْ لَهم معرفةٌ وتجربةٌ وعملٌ في دارِ "الفخامةُ للنّشرِ"، ومنهم من استجابَ لِيَ وقامَ باتصالاتٍ مع دارِ النّشرِ تخصُّ ذلكَ الشأنَ، وعلى طريقتهِ الخاصّةِ!؟. من الردودِ الصّديقةِ من كانَ من الدفءِ والوعدِ شبهِ الصادقِ لدرجةٍ أنّني حصلتُ على رقمِ هاتفٍ نقّالٍ خاصٍّ لإحدى الكاتباتِ المبدعاتِ الملتزماتِ بالكتابةِ والنشرِ دوريّاً في دارِ "الفخامةُ للنّشرِ". شعرتُ ببعضِ النشوةِ وظننتُ أنَّ في الطريقِ الطويلِ إلى النشرِ قد أحصلُ على اختصاراتٍ مهمّةٍ، مما سيوفّرُ بعضَ الوقتِ ويعوّضُ ما ضاعَ. لكنَّ تلكَ الكاتبةَ اللامعةَ وبعدَ وقتٍ قصيرٍ من بدءِ المشوارِ أصبحت تُظهِرُ صعوبةً في التواصلِ معِيَ. كانَ ذلكَ تارةً بعدمِ الردِّ على المكالماتِ وأخرى بتجاهلِ موضوعِ المساعدةِ في سرعةِ البتِّ بإمكانيّةِ النشرِ وحتى تعريفِيَ بالإداريينَ ذوي الشأنِ والفاعليّةِ في دارِ "الفخامةُ للنّشرِ". قلتُ في نفسِيَ "يا ولداً! أنتَ صغيرٌ في الكتابةِ مبتدِئٌ وعليكَ أنْ تكفَّ عن التسلّقِ على أكتافِ المشاهيرِ، مهما كانوا يصغرونَكَ أو يكبرونَكَ سنّاً". أضفتُ لنفسِيَ أنَّ "هؤلاءِ تعبوا كثيراً وصبروا طويلاً حتى وصلوا إلى تلكَ المراتبِ لتأتِيَ أنت وتلتهمَ تلكَ الإنجازاتِ مثلَ الجرذِ الجشعِ أو الكلبِ الضائعِ الجائعِ!". الحياةُ بحاجةٍ إلى قليلٍ من الذوقِ، أضفتُ لنفسِيَ قائلاً أحياناً وهامساً مناجياً أحياناً أخرى.