أنت هنا

قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سراب في كأس التفاؤل

سراب في كأس التفاؤل

ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 4
• بسببِ تعسِ حالةِ المتعلّمينَ والمثقّفينَ والقارئينَ العربِ وتلاهيهم وإهمالِهم للغتِهم وثقافتِهم وتوانيهم عن تنميةِ وتشجيعِ الفكرِ الإبداعيِّ العربيِّ باتَ على الكاتبِ الجديدِ في المجتمعِ العربيِّ أنْ يتوخّى كتابةَ النصوصِ الأدبيةِ بشكلٍ قصيرٍ وبإيجازٍ شديدٍ قدْرَ الاستطاعةِ. لم تعدْ لدى الناشرِ والقارئِ العربيّينِ القدرةُ على التحمّلِ والصبرِ لقراءةِ مادّةٍ طويلةٍ مكتوبةٍ بلغةِ الضّادِ. تبعاً لذلكَ انجرفتْ جموعُ القارئينَ والمبدعينَ والفنانينَ العربُ بالاتجاهِ في التعاملِ مع أمورِ الحياةِ إلى اللغاتِ وطرقِ الحياةِ الأجنبيةِ لأنَّها في نظرِهم أقربُ إلى الترفِ والاسترخاءِ الفكريِّ والسهولةِ في تلقّي نواتجِ الإبداعِ العلميِّ والأدبيِّ والفنيِّ والتقنيِّ العالميِّ. لم تتطوّرْ كتبُ المكتبةِ العربيةِ في الفكرِ والإبداعِ كثيراً عن مستوى الرازيِّ والخوارزميِّ والفارابيِّ والكِنْديِّ وابنِ المقفعِ والجاحظِ وأبي العلاءِ المعريِّ وغيرِهم الذينَ ظهروا ولمعوا قبلَ مئاتِ السنينِ. ذلكَ مقارنةً مع المكتبةِ الأجنبيةِ التي نقلت المؤلَّفاتُ فيها مسرحَ الحياةِ العامّةِ والخيالِ الفكريِّ بسهولةٍ ومنطقيةٍ وحتى واقعيةٍ إلى كواكبَ وأقمارٍ بل ومجرّاتٍ وأبراجٍ فلكيةٍ أخرى.
 
• على الكاتبِ أنْ يتوقعَ أيَّ شيءٍ سلبيٍّ من جانبِ دورِ النشرِ، مثلاً من جهةِ الردِّ البطيءِ أو التجاهلِ الكاملِ كما لو لم يكنْ هنالكَ كاتبٌ أعطى دارَ النشرِ ثمرةَ جهودِ سنينٍ طويلةٍ من عمرهِ وعملهِ وسهرهِ الليالي. بعدَ شهورٍ بل سنينٍ من الانتظارِ يغدو الأمرُ عاديّاً في أنْ لا يتلقّى الكاتبُ جواباً صريحاً ولو خجولاً بعضَ الشيءِ بشأنِ مخطوطةٍ قدّمَها للناشرِ في سبيلِ نشرِها. من غيرِ المستبعدِ على الإطلاقِ أنْ تكونَ اللجنةُ الموكّلةُ بالبتِّ في أمرِ نشرِ المخطوطةِ المقدَّمةِ، وغالباً ما تتكونُ اللجنةُ من الناشرِ صاحبِ الدارِ نفسهِ، لم تفتحْ غلافَ المخطوطةِ ولم ترَ الصفحةَ الأولى أو حتى المقدِّمةَ أو العنوانَ. في العالَمِ العربيِّ الحديثِ كثيرةٌ هي الأمورُ العبثيةُ وما الطباعةُ والنشرُ والتوزيعُ وتقاسمُ الريعِ إلا جزءُ عاديُّ منها. في ذلكَ تقعُ جلُّ المسئوليةِ على إدارةِ دارِ النشرِ التي غالباً ما توصفُ بالموقّرةِ الغرّاءِ في المراسلاتِ. لم يتوصلْ الناشرُ العربيُّ بعدُ إلى فكرةٍ مفادُها أنَّ وقتَ المؤلِّفِ ليسَ مُلكاً لهُ ولا تَحِقُّ لهُ إضاعةُ أو هدرُ أو التصرّفُ بدقيقةٍ إضافيةٍ واحدةٍ منهُ؛ هذا إذا ما أردنا تجنّبَ الحديثِ عن أسابيعَ وشهورٍ وسنينٍ من الانتظارِ اللا-مجدي لردٍّ من دارِ نشرٍ قد تبدو مرموقةً في نظرِ البعضِ أو حتّى الكثيرينَ. هنالكَ من المؤلِّفينَ من قضوْا نحبَهم وهم في انتظارِ ردٍّ من دارِ نشرٍ عربيةٍ بشأنِ مؤلَّفٍ وقعَ بأيدي "لجانِها" المقرِّرةِ أو الرافضةِ لنشرِ الكتابِ.
 
• إذا ما نجحَ كاتبٌ عربيٌّ في نشرِ مادّةٍ فكريةٍ في بلدهِ على شكلِ كتابٍ مطبوعٍ عليهِ أنْ يصنعَ لكتابهِ أجنحةً خفيّةً تكتنفُ الكتابَ وتحملُهُ وتمكّنُهُ من التسلّلِ إلى دورِ بيعِ كتبٍ أو المكتباتِ العامةِ في الدولِ العربيةِ الأخرى. ما يُسمحُ بنشرهِ وتداولهِ في دولةٍ عربيةٍ على الأرجحِ أنْ لا يكونَ الأمرَ ذاتَهُ في دولةٍ عربيةٍ أخرى مهما تكنْ الأخيرةُ قريبةً جغرافيّاً وفكريّاً وتاريخيّاً وحتى في نمطِ نظامِ حكمِها السياسيِّ. جلُّ الأنظمةِ السياسيةِ والمجتمعاتِ العربيةِ، لكن ليس على حدٍّ سواءَ، لا تزالُ تخشى ما قد يكونُ وُضِعَ بينَ جلدتيْنِ على شكلِ كتابٍ مطبوعٍ يمكنُ اقتناؤُهُ أو تداولُهُ بسهولةٍ. قد يكونُ ما في ذلكَ الكتابِ شرارةً تودي بالنظامِ السياسيِّ أو ببعضِ معتقداتِ وأركانِ كينونةِ ذلكَ المجتمعِ. بسببِ ذلكَ تكثرُ في المكتباتِ والمعارضِ الدوريةِ العربيةِ للكتابِ نفسُ الكتبِ المتداولةِ أو المؤلَّفةِ منذُ عشراتِ ومئاتِ السنينِ. تلكَ الكتبُ قد تمَّ التأكّدُ بأنَّ مفعولَها باتَ مثلَ مفعولِ الغازِ الخاملِ، لا تضرُّ ولا تنفعُ!.
 
• أنْ لا يفاجَأَ كاتبٌ في دارِ نشرٍ إذا ما رأى مديرَ الدّارِ أو صاحبَها يطلُّ على الجماهيرِ عبرَ وسيلةٍ إعلاميةٍ مرموقةٍ أو في مدوَّنةٍ في شبكةِ الإنترنتْ يخبرُ المشاهدينَ والسامعينَ لتلكَ الوسيلةِ الإعلاميّةِ أنَّ دارَ نشرهِ بلغتْ مرحلةً متقدمةً. يزعمُ ذلكَ الناشرُ أنهُ قد تمَّ لهُ ذلكَ بفضلِ جهودهِ ومثابرتهِ وحنكتهِ وصبرهِ وتعبِ أفرادِ أسرتهِ وسهرِهم على سيرِ الأمورِ وتقدّمِها، وليسَ بسببِ ضحكهِ المتواصلِ على لحى وذقونِ من لجأَ للنشرِ في دارهِ للنشرِ طوعاً أو كرهاً. لا يتردّدُ ذلكَ الناشرُ من تقديمِ نفسهِ كعرّابٍ أو أبٍ إلهيٍّ نزيهٍ في علاقتهِ مع الكاتبِ والقارئِ والمجتمعِ عموماً. ينسى أو يتناسى الناشرُ أنهُ قدْ تمَّ لهُ ذلكَ التقدّمُ المزعومُ أو الحقيقيُّ بفضلِ جهودِ وعرقِ ودماءِ وآهاتِ وويلاتِ عشراتِ الكتّابِ والمؤلِّفينَ الذين أضاعوا حياتَهم في سبيلِ الوصولِ إلى مجتمعِ القرّاءِ عن طريقِ دارِ نشرهِ ولو في آخرِ يومٍ من أعمارِهم.

الصفحات