ككاتبٍ ومؤلِّفٍ حديثٍ في مجالِ الكتابةِ باللغةِ العربيّةِ عانيتُ الأمرّيْنِ على مدى أكثرَ من نصفِ عقدٍ من السّنينِ. لا يزالُ هذا الأمرُ يسيراً!
أنت هنا
قراءة كتاب سراب في كأس التفاؤل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
• بعدَ ولوجهِ في عمليةِ التأليفِ والإنتاجِ والتعاملِ مع سوقِ الكِتابِ من المستحسنِ أنْ يُجريَ الكاتبُ فحوصاً دوريةً لأجهزةِ البنكرياسِ المتحكِّمِ بإنتاجِ هرمونِ الأنسولينِ المسئولِ عن تنظيمِ مستوى السكّرِ في الدّمِ. إذا ما توفّرت لديهِ بعضُ الإيراداتِ الماليةِ! على الكاتبِ أنْ يفحصَ وبشكلٍ دوريٍّ مستوى الكولسترولِ وضغطِ الدمِ وهشاشةِ العظامِ ... إلخٌ إلخٌ إلخٌ. على الكاتبِ أنْ يتأكّدَ أنْ لا يأتيَ من جهةِ أيٍّ مما ذُكرَ أعلاهُ ما يمكنُ أنْ يتطوّرَ نحوَ الأسوأِ، ويحوّلَ حياتَهُ أو حياتَها إلى شبهِ جحيمٍ نفسيٍّ ومعنويٍّ وبدنيٍّ، بفعلِ الدخولِ في عمليةِ التأليفِ والإنتاجِ الفكريِّ التي تمتازُ برفعِ جلِّ مستوياتِ الأعراضِ والأمراضِ المذكورةِ أعلاهُ وغيرِها في جسدهِ.
• أن يكونَ الكاتبُ أو المؤلِّفُ ذا باعٍ طويلٍ في الصبرِ وطولِ البالِ والمكابدةِ والمعاناةِ، بشكلٍ خَلقيٍّ وراثيٍّ أو مكتسَبٍ إنْ أمكنَ لهُ ذلكَ. في ذلكَ يمكنُ لذلكَ الشخصِ أنْ يلجأَ إلى قراءةِ كتبِ سيرةِ الأنبياءِ والصالحينَ والمناضلينَ العنيدينَ، ومن الأنبياءِ مثلاً أيّوبُ ولوطُ نفسيهما عليهما السلامُ، ويحاولَ الاستفادةَ من منهاجِ حياتِهم كما وردَ في كتبِ السّيرةِ.
• أنْ يكونَ لدى الكاتبِ أو المؤلِّفِ مصدرٌ ماديٌّ أو ماليٌّ آخرَ وفيراً وشديدَ الاستقلاليةِ عن الفكرِ والكتابةِ والتأليفِ والتعاملِ مع دورِ النشرِ العربيةِ. معظمُ دورِ النشرِ العربيةِ تعاني ماليّاً إلى درجةِ الإفلاسِ غيرِ المعلَنِ وتشترطُ على المؤلِّفِ دفعَ مبلغٍ عالٍ عدّاً ونقداً مقابلَ الشروعِ في التعاملِ مع المخطوطاتِ المقدَّمةِ والمرشّحةِ للنّشرِ. وفرةُ المالِ لدى الكاتبِ تحفظُ لهُ كرامتَهُ وتقيهِ من شرِّ الوقوعِ في متاهاتِ انتظارِ الرزقِ من السوقِ الفكريِّ إذا ما يضطرُّ للبحثِ عن بديلٍ مشرِّفٍ لهُ ولأسرتهِ وعائلتهِ الكبيرةِ!، قد لا يجدُهُ بسهولةٍ. في العقدِ الأولِ من بدءِ كتابتهِ وقبولهِ في دورِ النشرِ على الكاتبِ أنْ لا يأملَ كثيراً حتى في لعقِ إصبعهِ الصغيرِ من ريعِ بيعِ مؤلَّفاتهِ، هذا مع التفاؤلِ المفرطِ. على المؤلِّفِ المتحمِّسِ أنْ يعيَ أنَّ هنالكَ كثيرينَ من الكتّابِ والمؤلِّفينَ ممن ماتوا جوعاً أو برداً أو حرّاً أو من الابتلاءِ بمرضٍ عُضالٍ بالقربِ من قارعاتِ الطرقِ؛ لم يتمكَّنْ هؤلاءِ من زيارةِ عيادةِ طبيبٍ قد تكونُ مجاورةً لهم في الحيِّ. في ذلكَ يمكنُ وضعُ اللومِ على الكاتبِ نفسهِ والناشرِ والقارئِ والمجتمعِ المحيطِ والمسئولينَ الحكوميينَ، واللهُ تعالى أعلمُ بالنسبةِ المئويةِ للّومِ والمسئوليّةِ المخصّصةِ لكلٍّ منهم. في السّياقِ المادّيِّ والماليِّ نفسهِ هنالكَ من الكتّابِ المحافظينَ عقائديّاً أصلاً من تخلّى عن مواقفهِ المحافِظةِ واضطرَّ للكتابةِ بشكلٍ إيجابيٍّ في شئونِ الدعارةِ مثلاً وجوازِ العملِ فيها والتعاملِ معها، وحتى بطريقةٍ أدبيةٍ جذابةٍ. عادةً ما يجري ذلكَ تحتَ وابلٍ من الضّغوطِ الماليّةِ والمعنويّةِ والنفسيّةِ طويلةِ الأجلِ وحينَ لا يجدُ هؤلاءِ الكتّابُ بُدّاً حتى من اللجوءِ إلى مجتمعاتٍ أخرى تُعتبرُ فيها الدعارةُ وجهاً مشروعاً للحياةِ وكسبِ الرزقِ.
• على الكاتبِ والناشرِ العربيّيْنِ أنْ يلتزِما بالخطوطِ العريضةِ والحمراءِ والقيودِ والحدودِ والمحدِّداتِ وأنْ لا يتعدّيانِها إلى الطرفِ الآخرِ، من الخطِّ المرسومِ، شديدِ الخطورةِ عليهما. ذلكَ يدخلُ في عدادِ الحفاظِ على الكاتبِ والناشرِ من الوقوعِِ في قبضاتِ رجالِ الأمنِ الأشاوسِ المختارينَ بعنايةٍ والمؤدّيةِ بعدَ القبضِ عليهما بسهولةٍ إلى السجنِ، أو التعرضِ لمضايقاتِ المجتمعِ والمحيطِ والبيئةِ البشريةِ العامّةِ؛ وربما يؤدي الأمرُ بأيٍّ منهما أو كليهما إلى اللجوءِ إلى بلدٍ آخرَ هرباً بجلدهِ وحياتهِ وماءِ وجههِ.
• أنْ لا يأملَ الكاتبُ كثيراً من دخولهِ سوقَ الكتبِ العربيةِ، وأنْ يضعَ في اعتبارهِ أنَّ ذهابَهُ إلى السوقِ الفكريِّ العربيِّ ليسَ نزهةً. حالُ الكاتبِ في الواقعِ كمن يدخلُ إلى غرفةِ عنايةٍ فائقةٍ لمريضٍ في حالةٍ شديدةِ الحرجِ. ربما يعودُ ذلكَ إلى القيودِ والشروطِ المفروضةِ على حريةِ الفكرِ والإبداعِ والنقدِ وإبداءِ الرأيِ الآخرِ خاصةً إذا ما كانَ معارضاً أو معاكساً. في جانبٍ آخرَ لا يقلُّ أهميّةً يعودُ اضمحلالُ سوقِ الكتابِ العربيِّ إلى تلاهي المسئولينَ وروّادِ المجتمعِ بزخرفةِ حياتِهم وبيوتِهم بالمنتجاتِ المستورَدةِ الماديةِ والفكريةِ والمعنويةِ. أقلُّ من 0،1%ِ (عُشرٍ بالمائةِ) من تعدادِ أهلِ المجتمعِ العربيِّ قارئونَ جيدونَ أو حتى مهتمّونَ بقراءةِ الكتبِ العربيةِ في الوقتِ المعاصرِ. في الشارعِ العربيِّ العريضِ من الندرةِ بمكانٍ حتى أنْ تجدَ شخصاً يعرفُ كاتباً أو مؤلِّفاً عريقاً حديثاً أو معاصراً مثل "توفيق الحكيم" و"نجيب محفوظ" وغيرِهم قد قرأَ لهؤلاءِ بعضاً من مؤلَّفاتِهم الكثيرةِ. في أغلبِ الأحيانِ أتتْ معرفةُ المؤلِّفِ أو الكاتبِ عن طريقِ وسيلةٍ إعلاميةٍ أو من معلِّمِ المدرسةِ. ذلكَ ما يفسِّرُ حدوثَ اختراقاتٍ يائسةٍ أو حتى انتحاريةٍ بين الفينةِ والأخرى من بعضِ الكتّابِ للمحدِّداتِ الفكريةِ التقليديةِ والدخولِ في متاهاتِ التعارضِ مع الفكرِ الأيديولوجيِّ (الفكرولوجيِّ) والسياسيِّ، واستفهامِ المعتقداتِ السائدةِ بشكلٍ نشازٍ واستفزازيٍّ للبعضِ. يضطرُّ هؤلاءِ الكتّابُ إلى الاقتداءِ بِـ"سلمان رشدي" مثلاً لجلبِ انتباهِ القرّاءِ والجماهيرِ لهم عنوةً وعن سبقِ إصرارٍ.