أنت هنا

قراءة كتاب مدائن الأرجوان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدائن الأرجوان

مدائن الأرجوان

رواية "مدائن الأرجوان" للكاتب السوري نبيل سليمان، الصادرة عن دار الحوار للنشر والتوزيع عام 2013، نقرأ من أجوائها:
في الشرفة لبث واصف عمران يتفرج بحياد على باص الحضانة وهو يبتعد بثريا: أليست ابنتك أيها الوغد؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
ـ 3 ـ
 
لأول مرة، ومنذ سنوات، سوف نقضي معاً كل هذا الوقت المترامي من المغيب الوشيك إلى الصباح البعيد، قل: إلى الضحى البعيد، قبل أن يحضر أحد.
 
لن تكون رمزية أول الحاضرين. اطمئنْ. لكني أظن أن حبيب قلبك الأثرم سيبكر ليطمئن على صهره الغالي. أظن أنه سوف يحضر معه ثريا، اطمئن. كان حموك آخر من غادر. لا يهم، لكن رمزية كانت أول من غادر. هذا أيضاً ليس مهماً. ما المهم يا أخي؟
 
حكمت الدكتورة السمراء العبلاء ـ ماذا كان اسمها؟ ـ بأن عينيك سوف تظلان مغمضتين، وشفتيك سوف تظلان ملتحمتين، ربما حتى الصباح. بالأحرى، حكمت الدكتورة عليّ بالصمت والكلام معاً، وبالسهر والنوم معاً. لماذا لا أعترف بأنني نادم الآن على إصراري على البقاء معك هذه الليلة؟ يكفي ما قضيته مرابطاً أمام باب غرفتك المغلقة منذ الظهر. لماذا انتفختُ وتنافخت وأقسمت على ألا أفارقك حتى تخرج من هذا المستشفى مثل الحصان؟
 
منذ متى تستثار حميتك يا يزن عمران؟
 
كان على إدارة المستشفى ألا تستجيب لرغبتي، فلا تسمح لي بالمرابطة قبالتك، لا يفصلنا إلا جدار أبيض، وباب أبيض، وأنفاس بيضاء، ونظرات بيضاء، تملأ هذا الممر الأبيض الذي ما عاد يظهر فيه إلا أخوك ابن أبيك ـ وليس ابن أمك وأبيك ـ وهذه الكراسي الجلدية السوداء المرشوشة زوجاً زوجاً.
 
لن ينجو زوج منها من جلوسي. لن أجلس متخشباً كما فعلت منذ الظهر حتى اختفى حبيب قلبك الأثرم وهو يوصيني بك. سوف أجلس مسترخياً. حتى أنفاسي سأجعلها مسترخية، كي يكون بوسعي أن أصبر عليك خمس عشرة ساعة على الأقل. بعد ذلك ـ مباشرةً ـ سيكون عليك أن تستعيد وعيك، وأن تبصر وتسمع وتتكلم وتتحرك وتكذّب الدكتورة السمراء العبلاء، فالخطر لن يلازمك ثمانٍ وأربعين ساعة. ينبغي أن تغادر هذه الغرفة. دعنا من العناية المشددة وما أدراك ما العناية المشددة. عليك أن تنتقل إلى أي من غرف المرضى المحتشدة هناك، حيث يتعامد هذا الممر مع الممر الأقل بياضاً وطولاً وعرضاً. وهناك، ستكون في منجاة من الخطر. سيكون بوسعي أن أستنطقك: ما الذي جرى يا واصف؟
 
ما الذي حملك إلى ذلك الدوّار؟
 
ما الذي حشرك في المظاهرة.
 
لا لا، ليس هذا ما عليك أن تحدثني به.
 
سوف تحدثني عن الرصاص. من أطلق الرصاص عليك يا أخي؟ سوف تحدثني عن رصاصة بعينها: هل رأيتها وهي تنقذف إليك؟ هل رأيت البندقية التي قذفتها؟ الإصبع؟ الوجه؟ العين؟ الطعم؟ الرائحة؟ أم إنها غدرتك وغافلتك واخترقت صدرك فجأة؟ سوف تحدثني عن الألم، الثقب، الدم، الإغماء، الخوف، لا تقل لي إنك لم تخف. أنا أعترف الآن، كما اعترفت دوماً، أنك أشجع مني، وأني أجبن منك، ولكن من لا يخاف من الرصاص يا واصف؟
 
دعني أكرر عليك حكايتي مع الرصاص، الوقت أمامنا طويل. الآن أفكر أنها حكايتي مع السلاح. لا تنسَ أنني خدمت العسكرية، وأنني قضيت في مدرسة المشاة في المسلمية ـ قريباً من حلب ـ تسعة أشهر من التدريب قبل أن أصبح ضابطاً مجنداً كما كنت أنت في الإدارة السياسية: دبّورة على كل كتف، تماماً مثل عمر الشريف في فيلم (في بيتنا رجل). رحم الله إحسان عبد القدوس وزمن الأبيض والأسود.

الصفحات