كتاب "الصورة والآخر"، صارت موضوعة الجسد هوْسا أدبيا يتردد هنا هناك ويتحول في غالب الأحيان إلى موضوعة أدبية محضة؛ والحال أن التطرق لموضوعات من قبيل الجسد والصورة والمتخيل تتطلب في حدود دنيا تقاطعا معرفيا بين مجموعة من العلوم والمعارف لعل أقلها الفلسفة والتحل
أنت هنا
قراءة كتاب الصورة والآخر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
جينيالوجيا الذكورة والأنوثة في المجتمع العربي
حين ظهر الإسلام في القرن السابع للميلاد، لم يواجه فقط مخلفات الجاهلية الاعتقادية والروحية من عبادةٍ للأصنام وتفاعلٍ هجين ومحلي بين المعتقدات النصرانية واليهودية والمجوسية، وإنما واجه أيضا الكثير من المخلفات الاجتماعية التي كان عليه التعامل معها بالشكل الذي يبْطلها أو يُدخلها في النسيج الثقافي الاجتماعي الجديد. والحقيقة أن الرسالة المحمدية ظهرت في مجتمع كانت المرأة فيه شريكا للرجل في الكثير من قضايا المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فقد كانت النساء يتمتعن في المجتمع الجاهلي بحق الاسم، أي بالنسبة السُّلالية لهن، مثلهن في ذلك مثل الرجال، وهو الأمر الذي انتفى مع ظهور الإسلام، وكان لهن موقع واضح في المبادلات الرمزية والحركية التجارية التي تتم بين القبائل والمناطق.
وإذا كان هذا الدور ليس عاما ولا شاملا، فإن امتداداته الإيجابية في عهد الإسلام ستظل راسخة بالرغم من التحولات التي عرفتها علاقة الرجل بالمرأة. وهي الامتدادات التي سوف تتقوى وتأخذ أبعادا جديدة مع الفتوحات، مانحة للاختلاط العرقي والثقافي والحضاري بين العرب والأمم المحيطة بهم صبغة جديدة سيكون لها أبلغ الأثر في صياغة صور جديدة لهذه العلاقة.
لنقرر بدءا أن ما يلاحظ حاليا في البلدان العربية من كبت وتحديد للخطاب حول الجنس والمرأة والجسد يطول عموم الناس، يمكن اعتباره ضربا من التراجع الذي طال الحياة العربية الحديثة والمعاصرة، مقارنةً مع ما عرفه تاريخ الإسلام منذ القرن الأول الهجري (ق.7 الميلادي) وإلى حدود القرن الخامس عشر. وبهذا الصدد يصرح صلاح الدين المنجد، أحد الأوائل الذين طرقوا قضايا الجنس عند العرب: "والعجيب أن أجدادنا العرب لم يكونوا مثلنا. وكان موقفهم من الجنس كله حرية وانطلاق. فما كانوا يتحرجون من الحديث عن المرأة وعن الجنس، ومن التأليف فيهما. وأعتقد أن حريتهم الواسعة تلك هي التي سببت التزمت الذي نجده اليوم"(1). وبالرغم من أننا لا نشاطر المنجد هذه السببية التاريخية في بساطتها، فإننا مع ذلك نقر معه أن الحجْر والحجْز اللذين يمارسان على المرأة وعلى حريتها الخطابية ظاهرة لم تعرفهما بهذه الحدة ولا بهذا المستوى المرأة الأموية أو العباسية ولا حتى المرأة في عهد الخلفاء الراشدين. وتكفي الإطلالة السريعة على ما وصلنا من أخبار عن النساء وعن بلاغاتهن وعن الخلافات التي عاشها الفقهاء في الأمور الحساسة التي تخصهن لكي نتأكد من المواقع والمواقف التي كن يجدن فيها كامل كيانهن ووجودهن.
من ثم فالثقافة العربية الإسلامية لم تتطرق، كما أشرنا لذلك قبلا، للذكورة والأنوثة إلا في علاقتها بالقضايا الشرعية كالعورة والنكاح. ومردُّ ذلك في نظرنا إلى كون الإسلام والثقافة العربية التي تطورت في تاريخ البلدان العربية، ثم الثقافة العربية الحديثة لم تواجه أبدا مشكلة الجنس إلا في صيغته النكاحية، اعتبارا بأن مصطلح النكاح يجمع بين النكاح الشرعي والجماع، أو العلاقة الجنسية، واعتبارا أيضا إلى أن كل عناصر الشذوذ والكيانات الاستثنائية عن هذه القاعدة تعتبر هامشية من خصيان وخناثى وغلمان، الخ.