أنت هنا

قراءة كتاب الصورة والآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصورة والآخر

الصورة والآخر

كتاب "الصورة والآخر"، صارت موضوعة الجسد هوْسا أدبيا يتردد هنا هناك ويتحول في غالب الأحيان إلى موضوعة أدبية محضة؛ والحال أن التطرق لموضوعات من قبيل الجسد والصورة والمتخيل تتطلب في حدود دنيا تقاطعا معرفيا بين مجموعة من العلوم والمعارف لعل أقلها الفلسفة والتحل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
لكن اختلاف الفقهاء ولجوءهم للتوفيق يتبدى واضحا في تحديد عورة الخنثى. فالحنابلة يعتبرون عورة الخنثى المشْكِل كعورة الرجل لأنه اليقين والأنوثة مشكوك فيها، ومنهم حنابلة آخرون اعتبروا عورة الخنثى كعورة المرأة، لأن احتمال كونه امرأةً يوجب الاحتياط. أما الشافعية فاعتبروا أنه لا يجوز للخنثى الاقتصار على ستر عورة الرجل لاحتمال الأنوثة. وإذا تقرر ذلك، فلا يلزمه مع ذلك أن يتشبه في اللباس بالمرأة. كما لا فدية على الخنثى إذا ستر رأسه ووجهه عند الإحرام، لاحتمال أنه امرأة في الصورة الأولى ورجل في الصورة الثانية(6).
 
ولا يمكن قياس هذا الإنكار والإقصاء في العصر الأول للإسلام إلا بما سُنَّ في الإسلام من محاربة للزنا باعتباره فقدانا للتوازن الاجتماعي وسيادة لحرية الرغبة، وللواط والسحاق باعتبارهما قلبا لنظام الشهوة الإسلامي وتجاوزا لثنائية الذكورة والأنوثة. بيد أن الفقهاء في ما بعد تنبهوا إلى كون الخنثى ولو كان خنثى مشكلا جزء من المجتمع لا يمكن إقصاؤه، وإلا شكَّل ذلك ثغرة في النظام الفقهي الإسلامي. من ثم فإن ذلك لا يمنعه أبدا من ممارسة الشريعة، غير أن أحكامه وما ينبغي عليه القيام به من اختصاص الفقهاء وأئمة الإسلام.
 
وإذا كان المجتمع العربي الوسيط قد عاش الكثير من الحرية الخطابية والثقافية التي جعلت اللواط المحرم تحريما قاطعا، ومباشرة الغلمان ظاهرة مقبولة ثقافيا لا في أوساط الشعر و"المجون" وإنما أيضا في الأوساط الصوفية(7)، وفي الكثير من الكتابات الأدبية والأخبارية فإن تلك الظاهرة قد ترتبت أصلا عن المستوى الحضاري والثقافي الذي بلغته المجتمعات العربية الإسلامية آنذاك والحرية الفكرية التي كانت قد غدت واقعا لا تكدره التحولات الطارئة. إن ظاهرة اللواط لا تهمنا هنا في حد ذاتها، وإنما بالقدر الذي تخلخل به ثنائية الذكورة والأنوثة وتضعها موضع تساؤل. فهي تظهر لنا القوى الليبيدية في تعددها وتاريخيتها، وتمكننا من ثم من الوقوف على هوامش الثنائية التي أرسيت أسطوريا ولاهوتيا بين الذكورة والأنوثة، بل تجعلنا ندرك بأن تلك الثنائية ذات طابع ثقافي أنثربولوجي بالقدر نفسه الذي تشكل فيه أشكال خلخلتها بدورها ظواهر ثقافية وأنثربولوجية. إن الممارسة الهامشية (من سحاق ولواط وشبقية...) تعيد طرح مسألة الهوية الجنسية (الذكورة والأنوثة) وتزرع الآخر باعتباره كيانا ممكنا يقوض مبدأ الأحادية أو الثنائية التي تنبني عليها القيم الجنسية المرتبطة بالذات الإنسانية. لهذا يمكن القول بأن الذكورة والأنوثة بناء ثقافي عليه ينهض صرح الشرائع، وأن الحدود الفاصلة بينهما ليست بتلك الإطلاقية التي تنبني عليها كل ثنائية ميتافيزيقية.

الصفحات